وَالْبِرَّ وَالْفُجُورَ أَوْصَافٌ حَقِيقِيَّةٌ قَائِمَةٌ بِالْمَحَلِّ، وَإِطْلَاقُ أَسْمَائِهَا عَلَى النَّائِمِ وَالْمَجْنُونِ وَالْغَافِلِ عَنْهَا إنَّمَا هُوَ مِنْ مَجَازِ تَسْمِيَةِ الشَّيْءِ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ، وَالْوَصْفُ بِهَا فِي حَالِ الْغَفْلَةِ عَنْهَا كَالْوَصْفِ بِالرِّقِّ وَالْحُرِّيَّةِ، وَإِحْرَامُ الْأَحْكَامِ عَلَيْهَا مِنْ بَابِ إعْطَاءِ الْمَعْدُومِ حُكْمَ الْمَوْجُودِ عَلَى مَا سَنَذْكُرُهُ عَقِيبَ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ
ثُمَّ الْأَفْعَالُ الَّتِي تَتَعَلَّقُ بِهَا الْأَحْكَامُ ضَرْبَانِ - أَحَدُهُمَا مَا هُوَ حَسَنٌ فِي ذَاتِهِ وَثَمَرَاتِهِ كَمَعْرِفَةِ الْإِلَهِ وَصِفَاتِهِ وَالْإِيمَانِ بِذَلِكَ، فَإِنَّهُ أَحْسَنُ مَا كُلِّفَهُ الْإِنْسَانُ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ ثَمَرَاتِهِ الَّتِي هِيَ خُلُودُ الْجِنَانِ وَالزَّحْزَحَةُ عَنْ النِّيرَانِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: مَا هُوَ قَبِيحٌ فِي ذَاتِهِ وَثَمَرَاتِهِ كَالْجَهْلِ بِمَا يَجِبُ مِنْ الْعِرْفَانِ وَالْإِيمَانِ، وَثَمَرَاتُهُ خُلُودُ النِّيرَانِ وَحِرْمَانُ الْجِنَانِ، وَجَزَاؤُهُ مِثْلُهُ فِي الْقُبْحِ قَالَ تَعَالَى: {وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلا مِثْلَهَا} [الأنعام: ١٦٠] .
وَمِنْ الْأَفْعَالِ مَا هُوَ حَقِيقَتُهُ وَذَاتُهُ وَلَكِنَّهُ يُنْهَى عَنْهُ مَرَّةً لِقُبْحِ ثَمَرَاتِهِ وَيُؤْمَرُ بِهِ تَارَةً لِحُسْنِ ثَمَرَاتِهِ وَيُبَاحُ تَارَةً لِمَصَالِحَ تَتَقَارَبُهُ فِي الْإِقْدَامِ عَلَيْهِ وَالْإِحْجَامِ عَنْهُ وَلَهُ أَمْثِلَةٌ - أَحَدُهَا الْقَتْلُ وَهُوَ ثَلَاثَةُ أَقْسَامٍ بِاعْتِبَارِ ثَمَرَاتِهِ لَا بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ لِأَنَّ ذَاتَه فَسَادٌ وَإِتْلَافٌ.
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ: قَتْلُ مَنْ يَجِبُ قَتْلُهُ مِنْ الْكَافِرِينَ وَالْمُسْلِمِينَ وَهُوَ حَسَنٌ لِحُسْنِ ثَمَرَاتِهِ، أَمَّا قَتْلُ الْكَافِرِ فَلِمَا فِيهِ مِنْ مَحْوِ الْكُفْرِ الَّذِي هُوَ مِنْ أَفْسَدِ الْمَفَاسِدِ وَإِبْدَالِهِ بِالْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَصْلَحُ الْمَصَالِحِ، وَأَمَّا قَتْلُ الْجَانِي، فَلِمَا فِيهِ مِنْ حِفْظِ الْأَرْوَاحِ بِزَجْرِ الْجُنَاةِ عَنْ الْجِنَايَاتِ.
الْقِسْمُ الثَّانِي: تَحْرِيمُ الْمُسْلِمِينَ وَهُوَ مُمَاثِلٌ فِي ذَاتِهِ لِقَتْلِ الْكَافِرِينَ وَالْمُسْلِمِينَ الْمُحَارِبِينَ، وَلَكِنَّهُ حُرِّمَ لِقُبْحِ ثَمَرَاتِهِ.
الْقِسْمُ الثَّالِثُ: قَتْلُ مَنْ يَجُوزُ قَتْلُهُ بِالْقِصَاصِ مِنْ الْجُنَاةِ، فَإِنَّهُ حَسَنٌ لِثَمَرَاتِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute