كَرَاهَتُهُ، وَمَا كَانَ أَقْرَبُ إلَى أَدِلَّةِ التَّحْلِيلِ خَفَّ الْوَرَعُ فِي اجْتِنَابِهِ وَإِنْ كَافَأَ دَلِيلُ التَّحْلِيلِ دَلِيلَ التَّحْرِيمِ حُرِّمَ الْإِقْدَامُ وَلَمْ يُتَخَيَّرْ عَلَى الْأَصَحِّ، وَكُلُّ حُكْمٍ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ لَوْ حَكَمَ بِهِ الْحَاكِمُ لَنَقَضَ حُكْمَهُ فَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى الْبُطْلَانِ، لِأَنَّا إنَّمَا حَكَمْنَا بِنَقْضِهِ لِبُطْلَانِ دَلِيلِهِ، وَمَا بَطَلَ دَلِيلُهُ كَانَ بَاطِلًا فِي نَفْسِهِ.
وَقَدْ أَطْلَقَ الْفُقَهَاءُ أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ شُبْهَةٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ عَلَى إطْلَاقِهِ، إذْ لَيْسَ عَيْنُ الْخِلَافِ شُبْهَةً بِدَلِيلِ أَنَّ خِلَافَ عَطَاءٍ فِي جَوَازِ وَطْءِ الْجَوَارِي بِالْإِبَاحَةِ خِلَافٌ مُحَقَّقٌ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَدْرَأُ الْحَدَّ، وَإِنَّمَا الشُّبْهَةُ الدَّارِئَةُ لِلْحَدِّ فَفِي مَأْخَذِ الْخِلَافِ وَأَدِلَّتِهِ الْمُتَقَارِبَةِ كَالْخِلَافِ فِي النِّكَاحِ بِلَا وَلِيٍّ وَلَا شُهُودٍ، وَنِكَاحِ الْمُتْعَةِ، فَإِنَّ الْأَدِلَّةَ فِيهِ مُتَقَارِبَةٌ لَا يُبْعِدُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُجْتَهِدِينَ إصَابَةَ خَصْمِهِ عِنْدَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَنَذْكُرُ لِذَلِكَ أَمْثِلَةً: أَحَدُهَا: أَكْلُ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ وَمِخْلَبٍ مِنْ الطَّيْرِ لَوْ اُشْتُرِيَ بِعَقْدِ غَيْرِ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ لَوْ وَقَعَ فِيمَا يَحِلُّ بِصِفَتِهِ لَكَانَ الْخِلَافُ فِي صِفَتِهِ قَائِمًا، وَصِفَتُهُ مَا قَامَ بِهِ مِنْ نَابِهِ وَمِخْلَبِهِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: أَكْلُ الْبُرِّ وَالشَّعِيرِ وَالرُّطَبِ وَالْعِنَبِ وَالْإِبِلِ وَالْبَقَرِ وَالْغَنَمِ إذَا اُشْتُرِيَتْ بِبَيْعٍ مُخْتَلَفٍ فِي صِحَّتِهِ كَبَيْعِ الْفُضُولِيِّ وَبَيْعِ الْغَائِبِ وَالْبَيْعِ وَقْتَ النِّدَاءِ لَكَانَ الْخِلَافُ فِي سَبَبِهِ قَائِمًا مُوجِبًا لِلْوَرَعِ فِي مُبَاشَرَتِهِ، وَيَخْتَلِفُ الْوَرَعُ فِي مُبَاشَرَتِهِ، وَيَخْتَلِفُ الْوَرَعُ فِي هَذَيْنِ الْمِثَالَيْنِ بِاخْتِلَافِ رُتَبِ أَدِلَّتِهِمَا.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: نِكَاحُ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ الزَّانِي إذَا عُقِدَ عَلَيْهَا عَقْدٌ لَوْ عُقِدَ عَلَى أَجْنَبِيَّةٍ لَكَانَ صَحِيحًا بِالنَّصِّ أَوْ الْإِجْمَاعِ فَهَذَا مِمَّا يَشْتَدُّ التَّوَرُّعُ فِي نِكَاحِهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي كَوْنِ صِفَتِهَا مُقْتَضِيَةً لِلتَّحْرِيمِ.
وَقَدْ يُلْتَبَسُ مَا حُلَّ بِوَصْفِهِ وَسَبَبِهِ بِمَا حُرِّمَ بِوَصْفِهِ وَسَبَبِهِ وَلَهُ حَالَانِ.
أَحَدُهُمَا: أَنْ تَلْتَبِسَ عَيْنٌ وَاحِدَةٌ بِأُخْرَى كَمَا إذَا اخْتَلَطَتْ أُخْتُهُ مِنْ الرَّضَاعِ بِأَجْنَبِيَّةٍ فَالْإِقْدَامُ عَلَى تَزْوِيجِ إحْدَاهُمَا أَوْ وَطِئَهَا بِمِلْكِ الْيَمِينِ حَرَامٌ بَيِّنٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute