شُرِعَ فِيهَا الْجَوَازُ إلَى الْإِقْبَاضِ نَظَرًا لِلْوَاهِبِ وَالْمُتَّهَبِ، كَمَا شُرِعَ خِيَارُ الْمَجْلِسِ فِي الْبَيْعِ، فَإِنَّ الْوَاهِبَ قَدْ يَرَى الْمَصْلَحَةَ فِي فَسْخِ الْهِبَةِ وَصَرْفِ الْمَوْهُوبِ فِيمَا هُوَ أَهَمُّ مِنْهَا، وَقَدْ يَرَى الْمُتَّهَبُ أَنْ لَا يَتَحَمَّلَ مِنْهُ الْوَاهِبُ، وَاسْتَثْنَى الشَّرْعُ رُجُوعَ الْآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ فِي الْهِبَاتِ بَعْدَ الْإِقْبَاضِ تَخْصِيصًا لِشَرَفِ الْوِلَادَةِ كَمَا أَوْجَبَ لِهَؤُلَاءِ مِنْ الْحُقُوقِ مَا لَمْ يُوجِبْهُ لِغَيْرِهِمْ، وَحَرَّمَ الرُّجُوعَ فِي الْهِبَاتِ بَعْدَ لُزُومِهَا عَلَى سِوَاهُمْ حَتَّى شَبَّهَ الْعَائِدَ فِي هِبَتِهِ بِالْكَلْبِ يَعُودُ فِي قَيْئِهِ زَجْرًا عَنْ الْعَوْدِ فِيهَا لِمَا فِيهِ مِنْ أَذِيَّةِ الْمُتَّهَبِ بِإِزَالَةِ مِلْكِهِ مَعَ تَحَمُّلِهِ ضَيْمَ مِنَّةِ الْأَجَانِبِ.
النَّوْعُ الثَّانِي مِنْ التَّصَرُّفَاتِ: مَا يَكُونُ مَصْلَحَتُهُ فِي جَوَازِهِ مِنْ طَرَفَيْهِ كَالشَّرِكَةِ وَالْوَكَالَةِ وَالْجَعَالَةِ وَالْوَصِيَّةِ وَالْقِرَاضِ وَالْعَوَارِيّ وَالْوَدَائِعِ.
أَمَّا الْوَكَالَةُ فَلَوْ لَزِمَتْ مِنْ جَانِبِ الْوَكِيلِ لَأَدَّى إلَى أَنْ يَزْهَدَ الْوُكَلَاءُ فِي الْوَكَالَةِ خَوْفَ لُزُومِهَا فَيَتَعَطَّلُ عَلَيْهَا هَذَا النَّوْعُ مِنْ الْبِرِّ، وَلَوْ لَزِمَتْ مِنْ جَانِبِ الْمُوَكِّلِ لَتَضَرَّرَ لِأَنَّهُ قَدْ يَحْتَاجُ إلَى الِانْتِفَاعِ بِمَا وُكِّلَ فِيهِ لِجِهَاتٍ أُخَرَ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللُّبْسِ أَوْ الْعِتْقِ أَوْ السُّكْنَى أَوْ الْوَقْفِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ الْبِرِّ الْمُتَعَلِّقِ بِالْأَمْوَاتِ، وَالشَّرِكَةُ وَكَالَةٌ لِأَنَّهَا إنْ كَانَتْ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ فَالتَّعْلِيلُ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ الْجَانِبَيْنِ فَإِنْ لَزِمَتْ فَقَدْ فَاتَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْمَقْصُودَانِ الْمَذْكُورَانِ.
وَأَمَّا الْجَعَالَةُ فَلَوْ لَزِمَتْ لَكَانَ فِي لُزُومِهَا مِنْ الضَّرَرِ مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَكَالَةِ.
وَأَمَّا الْوَصِيَّةُ فَلَوْ لَزِمَتْ لَزَهِدَ النَّاسُ فِي الْوَصَايَا.
وَأَمَّا الْقِرَاضُ فَلَوْ لَزِمَ عَلَى التَّأْبِيدِ عَظُمَ الضَّرَرُ فِيهِ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَفَاتَتْ الْأَغْرَاضُ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا فِي الْوَكَالَةِ، وَإِنْ لَزِمَ إلَى مُدَّةٍ لَا يَحْصُلُ فِيهَا الرِّبْحُ فِي مِثْلِ تِلْكَ الْمُدَّةِ فَلَا يَحْصُلُ مَقْصُودُ الْعَقْدِ، فَإِنْ قِيلَ هَلَّا لَزِمَ إلَى مُدَّةٍ يَحْصُلُ فِيهَا الْأَرْبَاحُ غَالِبًا، قُلْنَا لَيْسَ لِتِلْكَ الْأَرْبَاحِ ضَابِطٌ يُعْتَمَدُ عَلَى مِثْلِهِ.
أَمَّا الْعَوَارِيّ فَلَوْ لَزِمَتْ لَزَهِدَ النَّاسُ فِيهَا، فَإِنَّ الْمُعِيرَ قَدْ يَحْتَاجُ إلَيْهَا لِمَا مِنْ الْأَغْرَاضِ وَالْمُسْتَعِيرَ قَدْ يَزْهَدُ فِيهَا دَفْعًا لِمِنَّةِ الْمُعِيرِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute