بِمَعْصِيَةٍ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ لَهُ، إلَّا أَنْ يُكْرِهَ إنْسَانًا عَلَى أَمْرٍ يُبِيحُهُ الْإِكْرَاهُ فَلَا إثْمَ عَلَى مُطِيعِهِ، وَقَدْ تَجِبُ طَاعَتُهُ لَا لِكَوْنِهِ آمِرًا بَلْ لِدَفْعِ مَفْسَدَةِ مَا يُهَدِّدُهُ بِهِ مِنْ قَتْلٍ أَوْ قَطْعٍ أَوْ جِنَايَةٍ عَلَى بُضْعٍ، وَلَوْ أَمَرَ الْإِمَامُ أَوْ الْحَاكِمُ إنْسَانًا بِمَا يَعْتَقِدُ الْآمِرُ حِلَّهُ وَالْمَأْمُورُ تَحْرِيمَهُ فَهَلْ لَهُ فِعْلُهُ نَظَرًا إلَى رَأْيِ الْآمِرِ أَوْ يَمْتَنِعُ نَظَرًا إلَى رَأْيِ الْمَأْمُورِ، فِيهِ خِلَافٌ، وَهَذَا مُخْتَصٌّ فِيمَا لَا يَنْقَضِ حُكْمُ الْآمِرِ بِهِ، فَإِنْ كَانَ مِمَّا يَنْقَضِ حُكْمُهُ بِهِ فَلَا سَمْعَ وَلَا طَاعَةَ، وَكَذَلِكَ لَا طَاعَةَ لِجَهَلَةِ الْمُلُوكِ وَالْأُمَرَاءِ إلَّا فِيمَا يَعْلَمُ الْمَأْمُورُ أَنَّهُ مَأْذُونٌ فِي الشَّرْعِ.
وَتَفَرَّدَ الْإِلَهُ بِالطَّاعَةِ لِاخْتِصَاصِهِ بِنِعَمِ الْإِنْشَاءِ وَالْإِبْقَاءِ وَالتَّغْذِيَةِ وَالْإِصْلَاحِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ، فَمَا مِنْ خَيْرٍ إلَّا هُوَ جَالِبُهُ، وَمَا مِنْ ضَيْرٍ إلَّا هُوَ سَالِبُهُ، وَلَيْسَ بَعْضُ الْعِبَادِ بِأَنْ يَكُونَ مُطَاعًا بِأَوْلَى مِنْ الْبَعْضِ، إذْ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ إنْعَامٌ بِشَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْته فِي حَقِّ الْإِلَهِ، وَكَذَلِكَ لَا حُكْمَ إلَّا لَهُ فَأَحْكَامُهُ مُسْتَفَادَةٌ مِنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ وَالْأَقْيِسَةِ الصَّحِيحَةِ وَالِاسْتِدْلَالَات الْمُعْتَبَرَةِ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَحْسِنَ وَلَا أَنْ يَسْتَعْمِلَ مَصْلَحَةً مُرْسَلَةً، وَلَا أَنْ يُقَلِّدَ أَحَدًا لَمْ يُؤْمَرْ بِتَقْلِيدِهِ: كَالْمُجْتَهِدِ فِي تَقْلِيدِ الْمُجْتَهِدِ أَوْ فِي تَقْلِيدِ الصَّحَابَةِ وَفِي هَذِهِ الْمَسَائِلِ اخْتِلَافٌ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَيَرُدُّ عَلَى مَنْ خَالَفَ فِي ذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ} [يوسف: ٤٠] .
وَيُسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ الْعَامَّةُ فَإِنَّ وَظِيفَتَهُمْ التَّقْلِيدُ لِعَجْزِهِمْ عَنْ التَّوَصُّلِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحْكَامِ بِالِاجْتِهَادِ، بِخِلَافِ الْمُجْتَهِدِ فَإِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى النَّظَرِ الْمُؤَدِّي إلَى الْحُكْمِ، وَمَنْ قَلَّدَ إمَامًا مِنْ الْأَئِمَّةِ ثُمَّ أَرَادَ تَقْلِيدَ غَيْرِهِ فَهَلْ لَهُ ذَلِكَ؟ فِيهِ خِلَافٌ، وَالْمُخْتَارُ التَّفْصِيلُ، فَإِنْ كَانَ الْمَذْهَبُ الَّذِي أَرَادَ الِانْتِقَالَ إلَيْهِ مِمَّا يُنْقَضُ فِيهِ الْحُكْمُ؛ فَلَيْسَ لَهُ الِانْتِقَالُ إلَى حُكْمٍ يَجِبُ نَقْضُهُ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ نَقْضُهُ إلَّا لِبُطْلَانِهِ، فَإِنْ كَانَ الْمَأْخَذَانِ مُتَقَارِبَيْنِ جَازَ التَّقْلِيدُ وَالِانْتِقَالُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute