مَفْسَدَةٌ تَرْبَى عَلَى تِلْكَ الْمَصَالِحِ، وَكَذَلِكَ شَرَعَ لَهُمْ السَّعْيَ فِي دَرْءِ مَفَاسِدَ فِي الدَّارَيْنِ أَوْ فِي أَحَدِهِمَا تَجْمَعُ كُلُّ قَاعِدَةٍ مِنْهَا عِلَّةً وَاحِدَةً، ثُمَّ اسْتَثْنَى مِنْهَا مَا فِي اجْتِنَابِهِ مَشَقَّةٌ شَدِيدَةٌ أَوْ مَصْلَحَةٌ تَرْبَى عَلَى تِلْكَ الْمَفَاسِدِ، وَكُلُّ ذَلِكَ رَحْمَةٌ بِعِبَادِهِ وَنَظَرٌ لَهُمْ وَرِفْقٌ، وَيُعَبَّرُ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ بِمَا خَالَفَ الْقِيَاسَ، وَذَلِكَ جَارٍ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْمُعَاوَضَاتِ وَسَائِرِ التَّصَدُّقَاتِ.
أَمَّا فِي الْعِبَادَاتِ فَلَهُ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا تَغَيُّرُ أَحَدِ أَوْصَافِ الْمَاءِ بِشَيْءٍ سَالِبٍ لِطَهُورِيَّتِهِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ مَا يَشُقُّ حِفْظُ الْمَاءِ مِنْهُ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: تَلَاقِي النَّجَاسَةِ وَالْمَاءِ الْقَلِيلِ مُوجِبٌ لِنَجَاسَتِهِ اسْتَثْنَى مِنْ ذَلِكَ غُسَالَةَ النَّجَاسَةِ مَا دَامَتْ عَلَى الْمَحَلِّ لِأَنَّهَا لَوْ لَمْ تُسْتَثْنَ مَا ظَهَرَ مَحَلُّ نَجَسٍ إلَّا بِقُلَّتَيْنِ، فَإِذَا انْفَصَلَ فَالْأَصَحُّ بَقَاءُ طَهَارَتِهِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: اسْتِعْمَالُ الْمَاءِ فِي الْحَدَثِ سَالِبٌ لِطُهُورَتِهِ إذَا انْفَصَلَ عَلَى الْأَصَحِّ يَسْلُبُهَا مَا دَامَ عَلَى الْمَحَلِّ لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي النَّجَاسَةِ، وَقَالُوا لَوْ انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي مَاءٍ قَلِيلٍ نَاوِيًا رَفْعَ الْحَدَثِ لَمْ يَسْلُبْ طَهُورِيَّتَهُ حَتَّى يَنْفَصِلَ عَنْهُ، وَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ إذَا طَهُرَ جَسَدُهُ فَيَنْبَغِي أَنْ تُسْلَبَ طَهُورِيَّتُهُ وَإِنْ لَمْ يَنْفَصِلْ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَى الْحُكْمِ بِبَقَاءِ طَهُورِيَّتِهِ بَعْدَ تَطْهِيرِ الْمَحَلِّ.
وَلَوْ قِيلَ إنَّمَا طَهُرَ الْجَسَدُ مِنْ الْحَدَثِ بِالْمِقْدَارِ الَّذِي لَاقَاهُ مِنْ الْمَاءِ دُونَ مَا وَرَاءَ ذَلِكَ فَكَانَ لَا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَثْبُتَ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ إلَّا لِلْقَدْرِ الْمُطَهِّرِ ثُمَّ يُنْسَبُ بِالْمِقْدَارِ الْمُطَهِّرِ إلَى بَقِيَّةِ الْمَاءِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُغَيِّرُهُ لَوْ خَالَفَهُ زَالَتْ طَهُورِيَّتُهُ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُخَالِفُهُ فَلَا وَجْهَ لِزَوَالِ طَهُورِيَّتِهِ لِمَا كَانَ بَعِيدًا.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ: اسْتِعْمَالُ أَوَانِي الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ حَرَامٌ عَلَى النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ لَكِنَّهُ يُبَاحُ عِنْدَ الْحَاجَةِ وَفَقْدِ الْآنِيَةِ الْمُبَاحَةِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute