وَلَمْ يُمْكِنْهُ التَّحَوُّلُ عَنْهَا، لِأَنَّ مَصْلَحَةَ مَا يَفُوتُ مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا أَعْظَمُ مِنْ مَصْلَحَةِ مَا يَفُوتُ مِنْ طَهَارَةِ الْأَخْبَاثِ.
الْمِثَالُ الثَّانِي عَشَرَ: سَتْرُ الْعَوْرَاتِ وَالسَّوْآت وَاجِبٌ وَهُوَ مِنْ أَفْضَلِ الْمُرُوآت وَأَجْمَلِ الْعَادَاتِ وَلَا سِيَّمَا فِي النِّسَاءِ الْأَجْنَبِيَّاتِ، لَكِنَّهُ يَجُوزُ لِلضَّرُورَاتِ وَالْحَاجَاتِ.
أَمَّا الْحَاجَاتُ فَكَنَظَرِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الزَّوْجَيْنِ إلَى صَاحِبِهِ، وَكَذَلِكَ نَظَرُ الْمَالِكِ إلَى أَمَتِهِ الَّتِي تَحِلُّ لَهُ وَنَظَرُهَا إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ نَظَرُ الشُّهُودِ لِتَحَمُّلِ الشَّهَادَاتِ، وَنَظَرُ الْأَطِبَّاءِ لِحَاجَةِ الْمُدَاوَاةِ، وَالنَّظَرُ إلَى الزَّوْجَةِ الْمَرْغُوبِ فِي نِكَاحِهَا قَبْلَ الْعَقْدِ عَلَيْهَا إنْ كَانَتْ مِمَّنْ تُرْجَى إجَابَتُهَا.
وَكَذَلِكَ يَجُوزُ النَّظَرُ لِإِقَامَةِ شَعَائِرِ الدِّينِ كَالْخِتَانِ وَإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى الزُّنَاةِ، وَإِذَا تَحَقَّقَ النَّاظِرُ إلَى الزَّانِيَيْنِ مِنْ إيلَاجِ الْحَشَفَةِ فِي الْفَرْجِ حَرُمَ عَلَيْهِ النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ، إذْ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ وَقَفَ الشَّاهِدُ عَلَى الْعَيْبِ أَوْ الطَّبِيبُ عَلَى الدَّاءِ فَلَا يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ بَعْدَ ذَلِكَ. لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ إلَيْهِ لِذَلِكَ، لِأَنَّ مَا أُحِلَّ إلَّا لِضَرُورَةٍ أَوْ حَاجَةٍ يُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَيُزَالُ بِزَوَالِهَا.
وَأَمَّا الضَّرُورَاتُ فَكَقَطْعِ السِّلَعِ الْمُهْلِكَاتِ وَمُدَاوَاةِ الْجِرَاحَاتِ الْمُتْلِفَاتِ، وَيُشْتَرَطُ فِي النَّظَرِ إلَى السَّوْآت لِقُبْحِهَا مِنْ شِدَّةِ الْحَاجَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّظَرِ إلَى سَائِرِ الْعَوْرَاتِ، وَكَذَلِكَ يُشْتَرَطُ فِي النَّظَرِ إلَى سَوْأَةِ النِّسَاءِ مِنْ الضَّرُورَةِ وَالْحَاجَةِ مَا لَا يُشْتَرَطُ فِي النَّظَرِ إلَى سَوْأَةِ الرِّجَالِ، لِمَا فِي النَّظَرِ إلَى سَوْآتِهِنَّ مِنْ خَوْفِ الِافْتِتَانِ، وَكَذَلِكَ لَيْسَ النَّظَرُ إلَى مَا قَارَبَ الرُّكْبَتَيْنِ مِنْ الْفَخِذَيْنِ كَالنَّظَرِ إلَى الْأَلْيَتَيْنِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثَ عَشَرَ: يَجِبُ التَّوَجُّهُ فِي الصَّلَوَاتِ إلَى أَفْضَلِ الْجِهَاتِ لَكِنَّهُ جَازَ تَرْكُهُ فِي نَوَافِلِ الْأَسْفَارِ تَحْصِيلًا لِمَصَالِحَ، وَجَعَلَ صَوْبَ السَّفَرِ بَدَلًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute