فَإِنَّهُمْ يُدْفَنُونَ فِي ثِيَابِهِمْ بِكُلُومِهِمْ وَدِمَائِهِمْ لِيَقْدَمُوا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَى وَجْهٍ يُوجِبُ الْعَطْفَ عَلَيْهِمْ وَالرَّحْمَةَ لَهُمْ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالْعَادَةِ أَنَّ الْعَبْدَ إذَا نَاضَلَ عَنْ سَيِّدِهِ فَقُتِلَ لِأَجْلِ مُنَاضَلَتِهِ ثُمَّ أُحْضِرَ إلَيْهِ مَلْفُوفًا فِي ثِيَابِهِ مُخَضَّبًا بِدِمَائِهِ فَإِنَّهُ يَعْطِفُ عَلَيْهِ وَيَرْحَمُهُ وَيَوَدُّ مُكَافَأَتَهُ عَلَى صَنِيعَتِهِ، لِأَنَّهُ بَذَلَ فِي طَاعَتِهِ أَنْفَسَ الْأَشْيَاءِ عِنْدَهُ وَأَحَبَّهَا إلَيْهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ رَأَى عَبْدَهُ مُجَنْدَلًا بِالْفَلَاةِ تَأْكُلُهُ السِّبَاعُ وَالطَّيْرُ لَكَانَ عَطْفُهُ عَلَيْهِ أَكْثَرَ، وَلِذَلِكَ قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «فِي حَمْزَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمَّا قُتِلَ بِأُحُدٍ: لَوْلَا أَنْ تَكُونَ سُنَّةً لَتَرَكْته حَتَّى يُحْشَرَ مِنْ بُطُونِ السِّبَاعِ وَحَوَاصِلِ الطَّيْرِ» وَكَذَلِكَ يُحْشَرُ الشُّهَدَاءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَجِرَاحَاتِهِمْ تَنْعَبُ دَمًا، وَيُقَارِبُ هَذَا الْمَعْنَى الْمُحْرِمُ إذَا مَاتَ فَإِنَّهُ يُبْعَثُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مُلَبِّيًا.
الْمِثَالُ الرَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: الْحَوْلُ مُعْتَبَرٌ فِي زَكَاةِ النَّعَمِ وَالنَّقْدَيْنِ إلَّا فِي النِّتَاجِ كَمَا أَنَّهُ مُعْتَبَرٌ فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ إلَّا فِي الْأَرْبَاحِ لِأَنَّهُمَا نَشْئًا عَنْ النِّصَابِ الَّذِي وَجَبَتْ فِيهِ الزَّكَاةُ فَتَبِعَاهُ فِي الْحَوْلِ.
الْمِثَالُ الْخَامِسُ وَالْعِشْرُونَ: إذَا نَقَصَ الْمَالُ عَنْ النِّصَابِ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ لَمْ يَنْعَقِدْ الْحَوْلُ، وَإِنْ نَقَصَ فِي أَثْنَاءِ الْحَوْلِ انْقَطَعَ الْحَوْلُ إلَّا فِي زَكَاةِ التِّجَارَةِ عَلَى قَوْلٍ مُعْتَبَرٍ وَفِيهِ إشْكَالٌ.
الْمِثَالُ السَّادِسُ وَالْعِشْرُونَ: إذَا قُلْنَا بِمِلْكِ الْفُقَرَاءِ الزَّكَاةَ بِحَوْلِ الْحَوْلِ فَنَفَقَةُ نَصِيبِهِمْ عَلَى الْمُزَكِّي، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ إيجَابِ نَفَقَةِ الْمِلْكِ عَلَى الْمَالِكِ، وَلِلْمَالِكِ إبْدَالُ مَا مَلَكُوهُ مِنْ الزَّكَاةِ بِمِثْلِهِ أَوْ أَفْضَلَ مِنْهُ، وَهَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ التَّصَرُّفِ فِي الْمِلْكِ بِغَيْرِ إذْنِ الْمَالِكِ، لَكِنَّهُ جَازَ رِفْقًا بِأَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ عَلَى الْفُقَرَاءِ، إذْ لَا يَجُوزُ إبْدَالُهُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَأَفْضَلَ مِنْهُ.
الْمِثَالُ السَّابِعُ وَالْعِشْرُونَ: إذَا بَدَّلَ الْمَالِكُ النِّصَابَ الزَّكَوِيَّ فِي أَثْنَاءِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute