إلَّا إلَى مَعْلُومٍ أَوْ مَظْنُونٍ: فَمَنْ أَبْرَأُ مِمَّا لَا يُعْلَمُ جِنْسُهُ أَوْ قَدْرُهُ بَرِئَ الْمُبَرَّأُ مِنْ الْقَدْرِ الْمَعْلُومِ مِنْهُ وَلَا يَبْرَأُ مِنْ الْمَجْهُولِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَمَنْ بَرَّأَهُ مِنْ الْمَجْهُولِ كَانَ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ قَاعِدَةِ الرِّضَا، وَلِأَجْلِ قَاعِدَةِ اعْتِبَارِ نَهْيِ الشَّرْعِ عَنْ بَيْعِ الْغَرَرِ إلَى مَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازَ مِنْهُ مَشَقَّةً عَظِيمَةً وَإِلَى مَا لَا يَشُقُّ الِاحْتِرَازُ مِنْهُ إلَّا مَشَقَّةً خَفِيفَةً وَإِلَى مَا بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ مِنْ الْمَشَاقِّ عَفَا الشَّرْعُ عَنْ بَيْعِ مَا اشْتَدَّتْ مَشَقَّتُهُ: كَالْبُنْدُقِ وَالْفُسْتُقِ وَالْبِطِّيخِ وَالرُّمَّانِ وَالْبَيْضِ وَأَسَاسِ الدَّارِ الْمَدْفُونِ فِي الْأَرْضِ وَبَاطِنِ الصَّبْرِ مِنْ الطَّعَامِ، وَبَاطِنِ مَا فِي الْأَوَانِي مِنْ الْمَائِعَاتِ، وَاجْتَزَأَ فِيهِ بِالرِّضَا فِيمَا عَلِمَهُ الْمُكَلَّفُ مِنْ الْأَوْصَافِ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الرِّضَا فِيمَا وَرَاءَ ذَلِكَ لِمَا فِيهِ مِنْ الْمَشَقَّةِ.
وَأَمَّا مَا خَفَّتْ مَشَقَّتُهُ: كَبَيْعِ عَبْدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ، وَثَوْبٍ مِنْ ثَوْبَيْنِ، وَكَبَيْعِ الثِّمَارِ قَبْلَ بُدُوِّ صَلَاحِهَا فَهَذَا لَا يَصِحُّ الْعَقْدُ مَعَهُ إذْ لَا يَعْسُرُ اجْتِنَابُهُ.
وَأَمَّا مَا يَقَعُ بَيْنَ الرُّتْبَتَيْنِ: كَبَيْعِ الْغَائِبِ وَالْجَوْزِ وَاللَّوْزِ فِي قِشْرَيْهِمَا وَالْمِسْكِ فِي فَأْرَتِهِ وَالْحِنْطَةِ فِي سُنْبُلِهَا وَاللَّبَنِ فِي ضَرْعِهِ فَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، فَكُلَّمَا خَفَّتْ الْمَشَقَّةُ فِي اجْتِنَابِهِ كَانَ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُحْتَمَلَ فِي الْعَقْدِ لِاضْطِرَابِ الرِّضَا فِيهِ، وَكُلَّمَا عَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي اجْتِنَابِهِ كَانَ أَوْلَى بِأَنْ لَا يُحْتَمَلَ فِي الْعَقْدِ لِاطِّرَادِ الرِّضَا فِيهِ وَكُلَّمَا عَظُمَتْ الْمَشَقَّةُ فِي احْتِمَالِهِ كَانَ أَوْلَى بِتَحَمُّلِهِ.
وَالْغَرَرُ تَارَةً يَكُونُ فِي الصِّفَاتِ: كَبَيْعِ الْغَائِبِ الْمُسْتَقْصَى الْأَوْصَافِ فَإِنَّ الْغَرَرَ بَاقٍ فِيهِ لِأَنَّ كُلَّ صِفَةٍ ذَكَرَهَا مُرَدَّدَةٌ بَيْنَ الرُّتْبَةِ الْعُلْيَا وَالرُّتْبَةِ الدُّنْيَا وَالرُّتَبُ الْمُتَوَسِّطَاتُ بَيْنَ ذَلِكَ، وَتَتَفَاوَتُ الْقِيَمُ بِتَفَاوُتِ هَذِهِ الصِّفَاتِ، وَتَارَةً يَكُونُ الْغَرَرُ فِي تَعْيِينِ الْمَبِيعِ كَبَيْعِ عَبْدٍ مِنْ عَبْدَيْنِ فَهَذَا غَرَرٌ لَا حَاجَةَ إلَى تَحَمُّلِهِ، وَيُسْتَثْنَى مِنْهُ بَيْعُ صَاعٍ مِنْ صُبْرَةٍ مَجْهُولَةِ الصِّيعَانِ فَإِنَّهُ عَلَى غَرَرٍ مِنْ تَعَيُّنِ الصَّاعِ مُشْبِهٌ مَا لَوْ أَشَارَ إلَى صَاعَيْنِ مُتَفَرِّقَيْنِ فَقَالَ بِعْتُك أَحَدَ هَذَيْنِ الصَّاعَيْنِ، وَإِلَّا أَنَّ فِي بَيْعِ صَاعٍ مِنْ صَاعَيْنِ غَرَرٌ لَا تَمَسُّ الْحَاجَةُ إلَيْهِ إذْ لَا يُمْكِنُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute