وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ تَحْصِيلِهِ مَعَ مَسِيسِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ فَلَا بَأْسَ بِسُؤَالِهِ، كَمَا سَأَلَ مُوسَى وَالْخَضِرُ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - الضِّيَافَةَ مِنْ أَهْلِ قَرْيَةٍ لِئَامٍ فَلَمْ يُضَيِّفُوهُمَا.
فَإِنْ قِيلَ قَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي حَدِيثِ قَبِيصَةَ: «إنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إلَّا لِأَحَدِ ثَلَاثَةٍ، رَجُلٌ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يَقْضِيَهَا ثُمَّ يَمْسِكَ، وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ اجْتَاحَتْ مَالَهُ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ - وَرَجُلٌ أَصَابَتْهُ فَاقَةٌ حَتَّى يَقُولَ ثَلَاثَةٌ مِنْ ذَوِي الْحِجَا مِنْ قَوْمِهِ: لَقَدْ أَصَابَتْ فُلَانًا فَاقَةٌ فَحَلَّتْ لَهُ الْمَسْأَلَةُ حَتَّى يُصِيبَ قِوَامًا مِنْ عَيْشٍ - أَوْ قَالَ سَدَادًا مِنْ عَيْشٍ - فَمَا سِوَاهُنَّ يَا قَبِيصَةُ مِنْ الْمَسْأَلَةِ سُحْتًا يَأْكُلُهَا صَاحِبُهَا» فَجَعَلَ مَا عَدَا ذَلِكَ سُحْتًا.
قُلْنَا ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنْ يَسْأَلَ الزَّكَاةَ مَنْ لَيْسَ أَهْلًا لَهَا، وَذَلِكَ مِنْ الطَّلَبِ الْمُحَرَّمِ، وَقَدْ سَأَلَ جَمَاعَةٌ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ الرَّسُولُ وَلَا أَحَدٌ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَكِنْ يُجَابُ عَنْ ذَلِكَ بِأَنَّهَا وَقَائِعُ أَحْوَالٍ، وَلَعَلَّ الرَّسُولُ وَالصَّحَابَةُ شَاهَدُوا مِنْ ضَعْفِ السُّؤَالِ وَقَرَائِنِ الْأَحْوَالِ مَا يُجَوِّزُ لَهُمْ السُّؤَالَ، فَلَوْ كَانُوا مِمَّنْ تَظْهَرُ مِنْهُمْ الْقُدْرَةُ عَلَى كَسْبِ الْكِفَايَةِ لِصِحَّةِ أَجْسَامِهِمْ وَقُوَّةِ أَبْدَانِهِمْ وَلَمْ يُنْكِرُوا عَلَيْهِ لَحَصَلَ الْغَرَضُ، وَقَدْ يَسْأَلُ الْكَرِيمُ الْأَرْيَحِيُّ مَا هُوَ مُحْتَاجٌ إلَيْهِ فَيَتَأَذَّى بِمَنْعِهِ وَبَذْلِهِ، وَهَذَا مَعْرُوفٌ عِنْدَ أَهْلِ الْكَرْمِ وَالْمُرُوآتِ، وَكَيْفَ يُفْلِحُ مَنْ عَوَّدَ نَفْسَهُ السُّؤَالَ مَعَ مَا جَاءَ فِيهِ مِنْ الْوَعِيدِ وَالْإِنْكَارِ، وَمِمَّا يُكْرَهُ السُّؤَالُ عَنْهُ سُؤَالُ مَا لَا حَاجَةَ إلَيْهِ مِنْ الْفُضُولِ.
وَأَمَّا السُّؤَالُ عَنْ عَوْرَاتِ النَّاسِ لِغَيْرِ مَصْلَحَةٍ شَرْعِيَّةٍ فَمُحَرَّمٌ دَاخِلٌ فِي قَوْلِهِ: {وَلا تَجَسَّسُوا} [الحجرات: ١٢] . وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْمُرُوآت لَيَعِزُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسْأَلُوا عَنْ الطُّرُقَاتِ مَعَ أَنَّهُ لَا يَضُرُّ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute