مَازِجًا لِلْخَيْرِ بِالشَّرِّ، وَالنَّفْعِ بِالضُّرِّ، مُرْتَكِبًا لِحَسَنَاتٍ وَسَيِّئَاتٍ وَلَعَلَّ حَسَنَاتِهِ لَا تَفِي بِسَيِّئَاتِهِ فَإِنْ انْضَمَّ إلَى ذَلِكَ نَظَرٌ إلَى مُطْرِبٍ لَا يَحِلُّ النَّظَرُ إلَيْهِ، فَقَدْ زَادَتْ شِقْوَتُهُ وَمَعْصِيَتُهُ.
فَهَذِهِ رُتَبُ مَنْ تَحْضُرُهُمْ الْمَعَارِفُ وَالْأَحْوَالُ بِسَبَبِ مَا يَسْتَمِعُونَهُ، فَالْمُسْتَمِعُونَ بِالْقُرْآنِ أَفْضَلُ هَؤُلَاءِ لِأَنَّ سَبَبَهُمْ أَفْضَلُ الْأَسْبَابِ، وَيَلِيهِمْ مَنْ يَسْتَمِعُ الْوَعْظَ وَالتَّذْكِيرَ إذْ لَيْسَ فِيهِ غَرَضٌ لِلنُّفُوسِ حَاصِلٌ مِنْ الْأَوْزَانِ، وَيَلِيهِمْ مَنْ يَسْتَمِعُ الْحِدَاءَ وَالْأَشْعَارَ، لِمَا فِيهِ مِنْ حَظِّ النُّفُوسِ بِلَذَّةِ سَمَاعِ مَوْزُونِ الْكَلَامِ، فَإِنَّهُ يَلْتَذُّ بِهِ الْمُؤْمِنُ وَالْكَافِرُ، وَالْبَرُّ وَالْفَاجِرُ، وَلَيْسَ لَذَّةُ النُّفُوسِ بِذَلِكَ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ فِي شَيْءٍ، وَيَلِيهِمْ مَنْ يَسْمَعُ الْمُطْرِبَاتِ الْمُخْتَلَفِ فِي تَحْرِيمِهَا لِلِاخْتِلَافِ فِي قُبْحِ سَبَبِهِ، وَيَلِيهِمْ مَنْ يَسْمَعُ مَا ذَهَبَ الْجُمْهُورُ إلَى تَحْرِيمِهِ، لِأَنَّهُ أَسْوَأُ حَالًا مِمَّنْ تَقَدَّمَهُ.
وَعَلَى الْجُمْلَةِ: فَالسَّمَاعُ بِالْحِدَاءِ وَنَشِيدِ الْأَشْعَارِ بِدْعَةٌ لَا بَأْسَ بِسَمَاعِ بَعْضِهَا.
وَأَمَّا سَمَاعُ الْمُطْرِبَاتِ الْمُحَرَّمَاتِ فَغَلَطٌ مِنْ الْجَهَلَةِ الْمُتَشَيِّعِينَ الْمُتَشَبِّهِينَ الْمُجْتَرِئِينَ عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قُرْبَةً كَمَا زَعَمُوهُ لَمَا أَهْمَلَ الْأَنْبِيَاءُ أَنْ يَفْعَلُوهُ وَيُعَرِّفُوهُ لِأَتْبَاعِهِمْ وَأَشْيَاعِهِمْ، وَلَمْ يُنْقَلْ ذَلِكَ عَنْ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ وَلَا مِنْ أَكَابِرِ الْأَوْلِيَاءِ، وَلَا أَشَارَ إلَيْهِ كِتَابٌ مِنْ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ مِنْ السَّمَاءِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا} [المائدة: ٣] وَلَوْ كَانَ السَّمَاعُ بِالْمَلَاهِي الْمُطْرِبَاتِ مِنْ الدِّينِ، لَبَيَّنَهُ رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ، وَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَاَلَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا تَرَكْت شَيْئًا يُقَرِّبُكُمْ مِنْ النَّارِ وَيُبَاعِدُكُمْ عَنْ الْجَنَّةِ إلَّا نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ» .
وَاعْلَمْ أَنَّ السَّمَاعَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ السَّامِعِينَ وَالْمَسْمُوعِ مِنْهُمْ، وَهُمْ أَقْسَامٌ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute