فَجَعَلَ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ لِلْقَتْلَى وَالْغَالِبِينَ، وَالْغَالِبُ أَفْضَلُ مِنْ الْقَتِيلِ، لِأَنَّهُ حَصَّلَ مَقَاصِدَ الْجِهَادِ، وَلَيْسَ الْقَتِيلُ مُثَابًا عَلَى الْقَتْلِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ فِعْلِهِ، وَإِنَّمَا يُثَابُ عَلَى تَعَرُّضِهِ لِلْقَتْلِ فِي نُصْرَةِ الدِّينِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: مِنْ فَوَائِدِ الْجِهَادِ دَرْؤُهُ لِمَفَاسِدَ عَاجِلَةٍ وَآجِلَةٍ، أَمَّا الْآجِلَةُ فَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ، وَالْغُفْرَانُ دَافِعٌ لِمَفَاسِدِ الْعِقَابِ.
وَأَمَّا الْعَاجِلَةُ فَإِنَّهُ يَدْرَأُ الْكُفْرَ مِنْ صُدُورِ الْكَافِرِينَ إنْ قُتِلُوا أَوْ أَسْلَمُوا خَوْفًا مِنْ الْقَتْلِ، وَكَذَلِكَ يَدْرَأُ اسْتِيلَاءَ الْكُفَّارِ عَلَى قَتْلِ الْمُسْلِمِينَ وَأَخْذِ أَمْوَالِهِمْ وَإِرْقَاقِ حَرَمِهِمْ وَأَطْفَالِهِمْ، وَانْتِهَاكِ حُرْمَةِ الدِّينِ. وَجَعَلَ الْحَجَّ فِي الرُّتْبَةِ الثَّالِثَةِ لِانْحِطَاطِ مَصَالِحِهِ عَنْ مَصَالِحِ الْجِهَادِ وَهُوَ أَيْضًا يَجْلِبُ الْمَصَالِحَ وَيَدْرَأُ الْمَفَاسِدَ.
أَمَّا جَلْبُهُ لِلْمَصَالِحِ فَلِأَنَّ الْحَجَّ الْمَبْرُورَ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إلَّا الْجَنَّةَ وَأَمَّا دَرْؤُهُ لِلْمَفَاسِدِ فَإِنَّهُ يَدْرَأُ الْعُقُوبَاتِ بِغُفْرَانِ الذُّنُوبِ. قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذُنُوبِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ» ، وَلَا تَزَالُ رُتَبُ الْمَصَالِحِ الْوَاجِبَةِ التَّحْصِيلِ تَتَنَاقَضُ إلَى رُتْبَةٍ لَوْ تَنَاقَضَتْ لَانْتَهَيْنَا إلَى رُتَبِ الْمَصَالِحِ الْمَنْدُوبَاتِ.
وَكَذَلِكَ تَتَفَاوَتُ رُتَبُ فَرْضِ الْكِفَايَةِ فِيمَا تَجْلِبُهُ مِنْ مَصْلَحَةٍ أَوْ تَدْرَؤُهُ مِنْ مَفْسَدَةٍ، فَقِتَالُ الدَّفْعِ أَفْضَلُ مِنْ قِتَالِ الطَّلَبِ، وَدَفْعُ الصِّوَالِ عَنْ الْأَرْوَاحِ وَالْأَبْضَاعِ أَفْضَلُ مِنْ دَرْئِهِمْ عَنْ الْمَنَافِعِ وَالْأَمْوَالِ.
وَكَذَلِكَ تَتَفَاوَتُ رُتَبُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنْ الْمُنْكَرِ بِتَفَاوُتِ رُتَبِ الْمَأْمُورِ بِهِ فِي الْمَصَالِحِ وَالْمَنْهِيِّ عَنْهُ فِي الْمَفَاسِدِ.
الضَّرْبُ الثَّانِي: مِنْ رُتَبِ الْمَصَالِحِ: مَا نَدَبَ اللَّهُ عِبَادَهُ إلَيْهِ إصْلَاحًا لَهُمْ، وَأَعْلَى رُتَبِ مَصَالِحِ النَّدْبِ دُونَ أَدْنَى رُتَبِ مَصَالِحِ الْوَاجِبِ، وَتَتَفَاوَتُ إلَى أَنْ تَنْتَهِيَ إلَى مَصْلَحَةٍ يَسِيرَةٍ لَوْ فَاتَتْ لَصَادَفْنَا مَصَالِحَ الْمُبَاحِ.
وَكَذَلِكَ مَنْدُوبُ الْكِفَايَةِ يَتَفَاوَتُ بِتَفَاوُتِ رُتَبِ مَصَالِحِهِ وَفَضَائِلِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute