عَزَّ وَجَلَّ عَلِمَ أَنَّ فِي تَأْخِيرِ الْقِتَالِ مَصْلَحَةً عَظِيمَةً وَهِيَ إسْلَامُ جَمَاعَةٍ مِنْ الْكَافِرِينَ وَكَذَلِكَ قَالَ: {لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ} [الفتح: ٢٥] أَيْ فِي مِلَّتِهِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ رَحْمَتِهِ وَكَذَلِكَ قَالَ: {لَوْ تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا} [الفتح: ٢٥] أَيْ لَوْ تَفَرَّقَ بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْكَافِرِينَ وَتَمَيَّزَ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا.
وَلِتَسَاوِي الْمَفَاسِدِ أَمْثِلَةٌ: أَحَدُهَا إذَا وَقَعَ رَجُلٌ عَلَى طِفْلٍ مِنْ بَيْنِ الْأَطْفَالِ إنْ أَقَامَ عَلَى أَحَدِهِمْ قَتَلَهُ، وَإِنْ انْفَتَلَ إلَى آخَرَ مِنْ جِيرَانِهِ قَتَلَهُ، فَقَدْ قِيلَ لَيْسَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ وَهِيَ بَاقِيَةٌ عَلَى الْأَصْلِ فِي انْتِفَاءِ الشَّرَائِعِ قَبْلَ نُزُولِهَا وَلَمْ تَرِدْ الشَّرِيعَةُ بِالتَّخْيِيرِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الْمَفْسَدَتَيْنِ، فَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ مُسْلِمًا وَبَعْضُهُمْ كَافِرًا فَهَلْ يَلْزَمُهُ الِانْفِتَالُ إلَى الْكَافِرِ، لِأَنَّ قَتْلَهُ أَخَفُّ مَفْسَدَةً مِنْ قَتْلِ الطِّفْلِ الْمَحْكُومِ بِإِسْلَامِهِ؟ فَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّهُ يَلْزَمُهُ لِأَنَّا نُجَوِّزُ قَتْلَ أَوْلَادِ الْكُفَّارِ عِنْدَ التَّتَرُّسِ بِهِمْ حَيْثُ لَا يَجُوزُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي أَطْفَالِ الْمُسْلِمِينَ.
الْمِثَالُ الثَّانِي: إذَا اغْتَلَمَ الْبَحْرُ بِحَيْثُ عَلِمَ رُكْبَانُ السَّفِينَةِ أَنَّهُمْ لَا يَخْلُصُونَ إلَّا بِتَغْرِيقِ شَطْرِ الرُّكْبَانِ لِتَخِفَّ بِهِمْ السَّفِينَةُ، فَلَا يَجُوزُ إلْقَاءُ أَحَدٍ مِنْهُمْ فِي الْبَحْرِ بِقُرْعَةٍ وَلَا بِغَيْرِ قُرْعَةٍ، لِأَنَّهُمْ مُسْتَوُونَ فِي الْعِصْمَةِ، وَقَتْلُ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ مُحَرَّمٌ، وَلَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ مَالٌ أَوْ حَيَوَانٌ مُحْتَرَمٌ لَوَجَبَ إلْقَاءُ الْمَالِ ثُمَّ الْحَيَوَانِ الْمُحْتَرَمِ. لِأَنَّ الْمَفْسَدَةَ فِي فَوَاتِ الْأَمْوَالِ وَالْحَيَوَانَاتِ الْمُحْتَرَمَةِ أَخَفُّ مِنْ الْمَفْسَدَةِ فِي فَوَاتِ أَرْوَاحِ النَّاسِ.
الْمِثَالُ الثَّالِثُ: إذَا أُكْرِهَ إنْسَانٌ عَلَى إفْسَادِ دِرْهَمٍ مِنْ دِرْهَمَيْنِ لِرَجُلٍ أَوْ رَجُلَيْنِ تَخَيَّرَ فِي إفْسَادِ أَيِّهِمَا شَاءَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute