للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ﴾: ظاهرُ النهي للتقلُّب وحقيقتُهُ للمخاطَبِ - وهوَ رسول الله تثبيتاً (١) له على ما كان عليهِ كما في قوله تعالى: ﴿فَلَا تُطِعِ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [القلم: ٨]- أو لكلِّ أحدٍ؛ ليفيد (٢) نفيَ السببِ، وهو من بابِ تنزيلِ السببِ منزلة المسبَّبِ؛ لأن التقلُّبَ لو غرَّهُ لاغترَّ بهِ، فمنعُ السببِ - أي: التغريرِ - يستلزِمُ امتناع المسبَّبِ الذي هو الاغترارُ مبالغةً، والمعنى: لا تنظر إلى ما الكفرةُ عليه من السعةِ والحظ، ولا تغترَّ بظاهرِ ما ترى من تبسُّطهم في مكاسبِهم ومتاجِرهم ومزارعِهم.

روي أن بعض المؤمنين كانوا يرونَ المشركين في رخاء ولين عيشٍ فيقولون: إن أعداء اللهِ فيما يُرَى من الخيرِ وقد هلكنا من الجوعِ والجَهدِ؛ فنزلت (٣).

* * *

(١٩٧) - ﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ﴾.

﴿مَتَاعٌ قَلِيلٌ﴾: خبرُ مبتدأ محذوف؛ أي: ذلك التقلبُ متاعٌ قليلٌ، وصِفَ بالقلةِ بالنسبة إلى ما فاتهم من نعمِ الآخرةِ، أو بالنسبةِ إلى ثواب المؤمنين، وأراد (٤) قلَّتهُ في نفسه ودنوَّ قدره لسرعةِ انقضائه (٥) وزوالِه.

﴿ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ﴾: عطفٌ على محذوفٍ؛ كأنهُ قيلَ: يؤاخَذون بتبعَتِه يوم القيامةِ، ثم مأواهُم جهنمُ (٦)، و (ثم) للتراخي في الرتبةِ.


(١) في النسخ عدا (م): "مثبتاً".
(٢) قوله: "ليفيد" تعليل لإسناد النهي إلى التقلب. وجاء في (ح) و (ف): "يفيد".
(٣) انظر: "أسباب النزول" للواحدي (ص: ١٣٩)، و"تفسير البيضاوي" (٢/ ٥٦).
(٤) في (م): "أو أراد".
(٥) في (ك) و (م): "انفصاله ".
(٦) "عطف على محذوف كأنه قيل يؤاخذون بتبعته يوم القيامة ثم مأواهم جهنم" سقط من (ف).