للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

على ما مرَّ بيانه في تفسير سورة البقرة (١)، بل لشرفها وعلوِّ مكانها.

وعبَّر بهما باعتبار أنَّهما قُطرَا العالم من جميع الأجسام لطيفِها وكثيفِها، كما عبَّر بالظُّلمات والنُّور عن جميع الأعراض محسوسِها بالبصر، وغائِبها عنه.

﴿وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ﴾: أنشأهما.

والفرقُ بين (خلق) و (جعل) المتعدي إلى مفعول واحد: أنَّ الخلق فيه معنى التَّقدير والتَّسوية، والجَعْل المذكور فيه معنى التعلُّق والارتباط بالغير بأن يكون فيه أو منه أو إليه، لا بأن يصير إيَّاه؛ لأنَّه معنًى آخرُ للجعل؛ فإنه حينئذٍ يتعدَّى إلى مفعولَيْن (٢).

ولهذا - أي: ولكون الارتباط بالغير معتبرًا في معناه - آثره هاهنا؛ تحقيقًا لمَا في الظُّلمة والنُّور من معنى القيام بالغير، وتضمينًا للردِّ على الثَّنويَّة بتقدير عدم صلاحيتهما للقيوميَّة.

وجمع الظُّلمات دون النُّور لاختلاف أجناس ما غاب عن البصر اختلافًا فاحشًا بحسب اختلاف مظاهره من القِوى الظَّاهرة والباطنة بخلاف النُّور.

وقدَّمها لتقدم جنس الغائب عن البصر ظهورًا، فإنه يظهر للإنسان وهو جنين، ولا يظهر له ما يدرَك بالبصر ما لم يُولَد، ولرعاية المناسبة لما تقدَّم.

﴿ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا﴾ يعني: بالآخرة، على ما أفصح عنه قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَهُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ [الأنعام: ١٥٠]، عطف على ﴿خَلَقَ﴾ (٣).


(١) انظر تفسير قوله تعالى: ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ [البقرة: ٢٩].
(٢) في هامش (ف): "رد لمولانا سعد الدين".
(٣) في (ح) و (ف): "عطف على قوله" وبعدها في (ح) بياض بمقدار كلمة. وذكر الآلوسي=