للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿عِنْدَهُ﴾ أثبت (١) تعيُّنَه، ثم أخبر بأنَّ ذلك التَّعيّن عنده؛ حسمًا لطمع التَّغيُّر (٢).

ولكون ذلك الأجلِ مبهمًا نظرًا إلينا ذُكِرَ منكَّرًا، وإنما قُدِّمَ وهو نكرةٌ على خبره وهو ظرفٌ لفاصلٍ بينهما بما هو مخصِّص له.

﴿أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ﴾ الامتراء: التردُّد في المتقابلَين، مأخوذ من مَرَى الضرع؛ أي: مسَحه، والفرق بينه وبين الرَّيْبِ والشَّكِ قد مرَّ بيانه في تفسير قوله تعالى: ﴿لَا رَيْبَ فِيهِ﴾ (٣)، والامتراء لهم فيما ذكر حقيقةٌ، إلا أنهم (٤) لانهماكهم في حبِّ الحياة، كأنهم شاكُّون في الموت.

وإنما ذكر ﴿ثُمّ﴾ مع زيادة الالتفات في ﴿أَنْتُمْ﴾ تنبيهًا على زيادة الاستبعاد، فإن دلالة كلٍّ من دليلي المبدأ والمعاد على المراد وإن كانت ظاهرة، إلا أن ما تؤخذ مبادئه من الأنفُس أقرب إلى الناظرين مما تؤخذ مبادئه من الآفاق، كأنه قيل: خُلقتم من جماد لا حظَّ له من الحياة، وعشتم مرة، فكيف تشكُّون مع ذلك وتَردَّدون في أمر البعث بإعادة تلك الحياة الزائلة، وهي أهون من الإحداث ابتداء (٥).

* * *


(١) في (م): "أي ثبت".
(٢) في (م): "التغيير".
(٣) في هامش (ح): "قال الراغب في الفرق بين الشك والريب والمرية: إنَّ الشكَّ وقوف النفس بين شيئين متقابلين، بحيث لا يترجح أحدهما على الآخر بأمارة، والمرية: التردد في المتقابلين، وطلب الأمارة مأخوذ من مرى الضرع: إذا مسحه باليد، فكأنه يحصل مع الشك تردد في طلب ما يقتضي غلبة الظن، والريب: أن يتوهم في الشيء أمرًا ما، ثم ينكشف عما يتوهم فيه. هذه عبارته في البقرة".
(٤) "إلا أنهم" من (ك) و (م).
(٥) من قوله: "فإن دلالة كل من دليلي المبدأ والمعاد .. " إلى هنا من (م).