للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقَّت دعوتهم بالغداة والعشي؛ لأنها من الأعمال الظَّاهرة وهي مؤقَّتة، وأدام إرادتهم، فاستغرقت جميع أوقاتهم؛ لأنها من الأحوال (١) الباطنة، وهي مؤبَّدة.

﴿يُرِيدُونَ وَجْهَهُ﴾ لا دنياهم بكرائمها، ولا عُقباهم بعظائمها، والوجه يعبَّر به عن ذات الشيء وحقيقته، والمراد بإرادة وجه الله تعالى: الإخلاص، رتَّب النَّهي على مواظبتهم على دعاء ربهم وعبادته مع الإخلاص؛ إشارة إلى أنها الموجِبةُ لإكرامهم، وأن مِلاك الأمر في العبادة الإخلاص، فلا يعتبَر بدونه.

لمَّا قصّر لهم لسان المعارَضة سكتوا متضرِّعين بقلوبهم بين يدي الله تعالى، داعين له بحسن الابتهال، فتولَّى خصومَتهم فقال: ﴿وَلَا تَطْرُدِ الَّذِينَ﴾ إلخ (٢): لا تنظر يا محمَّد إلى خِرقتهم (٣) على ظواهرهم، وانظر إلى حُرقتهم في سرائرهم، كانوا مستورين فشهَرهم الله تعالى.

قال الإمام أبو منصور: ذهب عامَّة أهل التَّأويل إلى أن النبيَّ همَّ بطرد فقراء المسلمين طمعاً في إسلام رؤساء المشركين، فعاتبه الله في ذلك وأنزل (٤) عليه هذه الآية. ولكنَّه بعيدٌ سمجٌ، ينسبون النبيَّ إلى أقبح فعلٍ وأوحشه، ولا يحتمل أن يكون النبي يقرِّب الأعداء ويبعد الأولياء، ولو فعل ذلك لوجد الكفرة عليه مطعناً، يقولون: يدعو الناس إلى الإيمان والتَّوحيد


(١) في (ف) و (ك) و (ح): "أحوال"، والمثبت من (م).
(٢) في (ح): "الآية".
(٣) في (ف) و (م): "حرفتهم"، وفي (ح): "حرقتهم". والمثبت من (ك) وهو الموافق لما في "لطائف الإشارات" (١/ ٤٧٥).
(٤) في (ح) و (ف): "رؤساء المشركين فأنزل الله".