للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ضلالتهم، وذمٌّ لطريقتهم، وأنَّ ما هم عليه مجرَّد هوًى فارغٌ عن (١) الدَّليل، مخالفٌ لمقتضى (٢) العقل، ومعنى:

﴿قَدْ ضَلَلْتُ إِذًا﴾ إن اتَّبعتكم فقد ضللت؛ لأنَّه مركوزٌ في العقل أنَّ كلَّ من اتَّبعَ الهوى فهو ضالٌّ، وفيه تنبيهٌ على أنَّ كلَّ مَنْ طلبَ الحقَّ فلْيَجتنبِ الهوى، وليتمسَّك بالحجَّة، وليلزم طريقَ العقل فإنه الهدى، ثمَّ أكَّده بقوله:

﴿وَمَا أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ على الجملة الاسميَّة الدَّالة على المنافاة الكليَّة بين متابعة الهوى والهدى، مع المبالغة بناءً على أنَّ ﴿مِنَ الْمُهْتَدِينَ﴾ أبلغ من: مُهتدٍ، وهو أبلغ من اهتدى، وأنَّ القيدَ دخلَ النَّفيَ؛ أي: وما أنا من الهدى في شيء ما دمْتُ أنا أنا؛ يعني: أنتم كذلك، وفيه غايةُ التَّنفير عن طريقتهم.

ولما بالغ في نفي كون الهوى متَّبعاً نبَّه على ما يجبُ اتِّباعه بقوله:

(٥٧) - ﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ﴾.

﴿قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ﴾ البيِّنة: الحجَّة الواضحة التي تفصِل الحقَّ عن الباطل، فقَيْدُ الوضوح معتبرٌ في مفهومِها، لا مستفادٌ من التَّنكير، وهي أعمُّ من أن تكون وحياً، أو دليلاً عقليًّا، أو كشفاً.

﴿مِنْ رَبِّي﴾ متعلِّقٌ بالظَّرف، أو صفةٌ لـ ﴿بَيِّنَةٍ﴾؛ أي: إنِّي من معرفةِ ربي ووحدانيَّته على يقين وحجَّة واضحة.


(١) في (م): "من".
(٢) في (ح) و (ف): "مقتضى".