للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الأمر بالسجود (١) كان قبل خلق آدم ، على ما نطق به قوله تعالى: ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ﴾ [الحجر: ٢٩]، والواقع بعد تصويره إنما هو قوله تعالى: ﴿لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾ [البقرة: ٣٤] لتعيين وقت السجدة المأمورِ بها قبل هذا، فلا صارف لكلمة (٢) ﴿ثُمَّ﴾ عن معناها الأصلي، وعلى تقدير الصرف عنه حقُّها أن تُصرف إلى معنى التفاوت في الرتبة، لا على التراخي في الإخبار.

﴿فَسَجَدُوا﴾؛ أي: سارَعوا في الامتثال، وأَتَوا بما أُمِروا به على الاستعجال، ولمَّا كان في بقعة الاحتمال أن يكون الاستثناءُ بقوله: ﴿إِلَّا إِبْلِيسَ﴾ عن المقيَّد راجعاً إلى قيده لا إلى أصله، احتيج إلى قوله: ﴿لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ﴾ دفعاً لذلك الاحتمال، فلا صارف فيه للاستثناء عن الاتصال، بناءً على أنه حينئذ لا حاجة إلى هذا المقال، وكان يكفي أن يقال: لم يسجد، إلا أنه قصد مع الإخبار عن عدم الائتمار، الإشعارَ بأنه على تقدير إظهاره (٣) السجودَ لا يكون ساجداً حقيقةً لِمَا فيه من إضمار الاستكبار، بل يكون معدوداً من الساجدين فنُفي ذلك الكونُ فافهم هذا الاعتبار.

* * *

(١٢) - ﴿قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾.

﴿قَالَ﴾ عدَل عن التكلُّم إلى الغيبة إيماءً - بعدم إسناد القول إلى نفسه صريحاً - إلى أن (٤) هذه المخاطبة مع إبليس لم تكن بالذات، وكأن الجبَّائيَّ تنبَّه


(١) في (م) و (ك): "بالسجدة".
(٢) في (ف): "لكلية".
(٣) في (ف): "إظهار".
(٤) في (م) و (ك): "إلى نفسه ظاهراً أن".