للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ﴾ تعليلٌ لفضله (١) عليه، وقد غلط في ذلك حيث رأى الفضل كلَّه باعتبار العنصر، وغَفَل عما يكون باعتبار الفاعل كما أشار إليه بقوله: (لِمَا خلقتُ بيديْ) على القراءة بالتوحيد (٢)؛ أي: بغير واسطةٍ، وباعتبار الصورة كما أشار إليه بقوله: ﴿وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر: ٢٩]، وباعتبار الغاية كما أشار إليه بقوله (٣): ﴿لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ على القراءة بالتشديد؛ أي: بقدرتي المتصرِّفة في عالمَيِ الشهادة والغيب، ولذلك - أي: ولكونه ذا حظٍّ من عالمَي الملك والملكوت - صار أفضل ممن له حظُّه من أحدهما فقط، واستَحقَّ لأنْ يَسجد له الملَك، فاللعين في تعليله كمَن قيل له (٤):

حفظتَ شيئاً وغابت عنك أشياء (٥)

وقيل: لعل نسبة خلق الإنسان إلى الطِّين وخلقِه إلى النار باعتبارِ الجزء الغالب.

وَيرِدُ عليه: أن المناسب لهذا الاعتبار أنْ يقال: خلقتَه من تراب، والله أعلم بالصواب.

* * *

(١٣) - ﴿قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَنْ تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ﴾.


(١) في (ف): "في فضله".
(٢) تنسب للجحدري. انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ١٢٨).
(٣) من قوله: "ونفخت فيه .. إلى .. بقوله": ليست في (م).
(٤) في (ف): "قيل له".
(٥) عجز بيت ذكره البغدادي في "خزانة الأدب" (٥/ ٣٦٨)، وصدره:
قل للَّذي يدعي في العلم فلسفةً