للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وأُشير إلى هذا حيث قال في موقع (ولكنْ لم نشأ): ﴿وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ﴾ فذَكر فِعل العبد لا فِعله؛ أي: مال إلى الدنيا وإلى السَّفالة.

﴿وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ في إيثار الدنيا واسترضاءِ قومه، وأعرض عن مقتضى الآيات.

نسب إيتاء الآيات إلى الله تعالى، وخروجَه عن حكمها إليه؛ إشعارًا بأن الكل إنما يكون بحسب استعداد العبد بإعطاء (١) أسباب الكمال، ولكنه بحسب استعداده إلى الجهة السفلية خرج عن حكمها فناسب الشيطان فأغواه فشَقي بها، وعلَّق رفعَه بمشيئة الله تعالى واستدرك عنه بفعل العبد تنبيهًا على أن المشيئة سببٌ لفعله الموجِب لرفعه، وأن عدمه دليلُ عدمها، لاستلزامِ انتفاءِ المسبَّب انتفاءَ السبب، وأن السبب الحقيقيَّ هو المشيئة، وأن الأسباب وسائطُ في حصول المسبَّب إذا تعلقت المشيئةُ به كذلك، ووضع قوله: ﴿أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ﴾ موضع: أعرض عنها؛ إقامةً للسبب مقام المسيَّب، مبالغةً وتنبيهًا على أن موجِبَ إعراضه هوى (٢) النفسِ وحبُّ الدنيا، وأنَّه رأس كلِّ خطيئة.

وكان مقتضى الظاهر أن يقول: ولكنه أخلد إلى الأرض فحطَطْناه، في مقابلةِ: (رفعناه)، فوَضَع قوله: ﴿فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ﴾ موضعَ فحططناه أبلغَ حطٍّ وأذلَّه مبالغةً؛ أي: صفتُه كصفة الكلب - الذي هو مَثَلٌ في الخسةِ - في أخسِّ أحواله وأذلِّها، وهو دوام اللَّهَثِ سواءٌ حُمل عليه وهِيج أو تُرك ولم يُهَجْ، على ما ذَكر بقوله:

﴿إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ﴾ فإنه دائمًا يلهث لضعف قلبه


(١) في (ف): "فأعطاه"، و في (م): "فأعطي".
(٢) في (ف): "هو".