للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وسببُ إخراجِه أنَّ عيرَ قريشٍ أقبلَتْ من الشام فيها تجارةٌ عظيمةٌ، وفيها أربعون راكبًا، فأَخبرَ جبريلُ رسولَ الله ، فأَخبرَ المسلمين، فأعجبهم تلقِّي العير؛ لكثرة الخير، وقلَّة القوم، فلما خرجوا بلغَ الخبرُ أهل مكَّة، فنادى أبو جهل فوق الكعبة: يا أهل مكَّة، النَّجاءَ النَّجاءَ، على كلِّ صَعبٍ وذَلولٍ، عيرَكم أموالَكم، إنْ أصابَها محمَّدٌ لن تفلحوا بعدَها أبدًا.

فخرج أبو جهل بجميع أهل مكَّة - وهو (١) النفير في المثل السائر: لا في العير ولا في النَّفير (٢) - فقيل [له]: إنَّ العيرَ أخذَتْ طريقَ السَّاحل ونجَتْ، فارجعْ بالنَّاس إلى مكَّة، فقال: لا والله لا يكون ذلك أبدًا حتى ننحر الجزور ونشرب الخمور ببدر، فيتسامعَ جميعُ العرب بمخرجنا، وأنَّ محمدًا لم يُصبِ العيرَ، وأنَّا أعضضناه (٣)، فمضى بهم إلى بدر وهو ماء كانت العرب تجتمع عليه لسُوقهم يومًا في السنة.

وكان رسول الله بوادي دفران، فنزل جبريل بالوعد بإحدى الطَّائفتين؛ إمَّا العير وإمَّا النَّفير (٤)، فاستشار فيه أصحابه فقال بعضهم:


(١) في "الكشاف" (٢/ ١٩٧): "وهم"، وما سيأتي بين معكوفتين منه.
(٢) قوله: "لا في العير ولا في النفير": قال المفضل: أول من قال ذلك أبو سفيان بن حرب حين انصرف بنو زهرة إلى مكة: يا بني زهرة، لا في العير ولا في النفير! عني بالعير: عمر قريش التي أقبلت مع أبي سفيان من الشام، وبالنفير: من خرج من المشركين لاستنقاذها من أيدي المؤمنين، وكان ببدر ما كان. قال الأصمعي: يضرب للرجل يحط أمره ويصغر قدره. انظر: "فتوح الغيب" للطيبي (٧/ ٢٣).
(٣) قوله: "أعضضناه" أي: استخففنا به وشتمناه، وهي شتيمة عند العرب يريدون بها: عضضت بظر أمك، ومنه قول أبي جهل لعتبة يوم بدر: لو غيرك يقول هذا أعضضته، أي: شتمته. انظر المصدر السابق.
(٤) في (م) و (ك): "قريش".