للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وفائدةُ التقييد به وتعيينِ مراكز الفريقين: بيانُ الحالة (١) الدَّالة على شوكة الكفَّار، وعُدَّةِ غَلَبتهم، واستظهارِهم بالرَّكب، وحرصِهم على المقاتلة عنها، وتوطينِ نفوسهم على أن لا يُخلوا مراكزهم، ويبذلوا جهدهم، وضعفِ شأن المسلمين، والتياث (٢) أمرهم، واستبعاد غلبتهم عادةً، وأنَّ ظفرَهم بالعدوِّ وغلبتَهم في مثل هذه الحالة ليست إلَّا بتأييدٍ من الله تعالى ونصرِه؛ ليعلموا أنَّ الحولَ والقوَّة والقدرة كلَّه لله تعالى، وأنَّ الفتحَ كان صُنعاً إلهيًّا من خوارق العادات، فيزدادوا إيماناً وثقةً، وذلك أن مركز المؤمنين كان أيضاً رخوةً تَسُوخ فيها الأقدام، ولا يُمْشَى [فيها] (٣) إلَّا بتعب، ولم يكن بها ماء، بخلاف العُدْوة القُصوى، ويقوِّيه (٤) قوله:

﴿وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ﴾؛ أي: ولو تواعَدْتم أنتم وهم القتالَ، ثم علمتم حالهم في الكثرة والقوة والشَّوكة وتمهُّد العُدَّة، وحالَكم في القلَّة والضَّعف وعدم أسباب الظَّفَر، لاختلفتم أنتم تهيُّباً منهم وتأبِّياً من الظَّفر عليهم وظنًّا بالمغلوبيَّة.

﴿وَلَكِنْ﴾ دبَّرَ اللهُ تعالى ذلكَ حيثُ وعدَ إحدى الطَّائفتين مبهَمةً، وأخرجكم راغبين في العير، وأخرجهم ليمنعوا عِيرهم (٥)، وسبَّب الأسبابَ، وجمع بينكم وبينهم على هذه الحالة.


(١) في (ك) و (م): "للحالة".
(٢) قوله: "والتياث أمرهم"؛ أي: صعوبته والتباسه عليهم، من قولهم: التاثت عليه الأمور وألبست واختلطت. انظر: "حاشية الشهاب غلى البيضاوي" (٤/ ٢٧٧).
(٣) ما بين معكوفتين من "تفسير البيضاوي" (٣/ ٦١).
(٤) في (م) و (ك): "وبقربه".
(٥) في النسخ: "غيرهم"، والصواب المثبت.