للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والتعبيرُ عنهم باسمِ الجنس للتحقيرِ كما في قولهم: ومن الناس مَن يقولُ كذا؛ فكأنهُ قصدَ مقابلَتهم فيما قصدُوه بقولهم:

﴿إِلَى رَجُلٍ مِنْهُمْ﴾ تعجَّبوا من أن يُوحَى إلى رجلٍ من أفناءِ رجالهم، دون عظيمٍ من عظمائهم، فقد كانوا يقولونَ: العجبُ أن اللّه لم يجد رسولًا يرسلُه إلى الناسِ إلا يتيمَ أبي طالبٍ؛ وذلك من فَرْطِ حماقتِهم وقصورِ نظرِهم عن معرفةِ الأوصاف التي بها اختارَه اللّهُ تعالى للرسالةِ، فإنَّ رسولَ اللّه لم يكُن ليقصر من عظمائهم في النسبِ والحسبِ والشرفِ وكلِّ ما يُعتبَرُ في الرياسةِ من أكرم (١) الخصالِ، إلا المالِ، وخفَّةُ الحال أعوَنُ شيءٍ في هذا الباب، ولذلك كان أكثرُ الأنبياءِ قبلَهُ كذلكَ.

وقيل: تعجَّبوا من أنه تعالى بعثَ بشرًا رسولًا كما سبقَ ذكرُه في سورة الأنعامِ، فمَن خلطَ بينَ الوجهَين لم يصِبْ كما لا يخفَى على ذوي الأفهامِ (٢).

﴿أَنْ أَنْذِرِ النَّاسَ﴾ ﴿أَنْ﴾ هي المفسِّرةُ؛ لأن في الإيحاءِ معنى القول، وجُوِّزَ أن تكونَ مخفَّفةً من الثقيلةِ على أن الأصلَ: أنه أنذِر، والمعنى: أنَّ الشأنَ قولُنا: أنذرِ الناسَ، وموقعه النصبُ بـ ﴿أَوْحَيْنَا﴾.

وفيهِ حذفُ الاسمِ والخبرِ، وفي الأول خلافُ الكوفيينَ، فالأَولى أن تكون مصدريةً تقديره: بإنذار الناس (٣).

وذُكرَ اسم الجنسِ للتعميمِ للفريقين، كأنهُ قالَ: أن أنذرِ الناسَ مؤمنًا كان أو كافرًا.


(١) في (ك): "كرم".
(٢) في هامش (م): "رد لصاحب الكشاف".
(٣) "تقديره بإنذار الناس" من (م).