للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا﴾: خاصةً؛ لأن المبشَّرَ به مشروطٌ بالإيمانِ، فالبشارةُ به تنقلِبُ إنذارًا في حقِّ الكفارِ، لا للاستغراقِ؛ كما ذهبَ إليه مَن قال: عمَّم الإنذارَ إذ قلَّما مِن أحدٍ ليس فيه ما ينبغِي أن يُنذَر منهُ (١)؛ لأنَّ تبليغَ الإنذارِ ولو بإرسالِ الخبرِ إلى كلِّ مَن في عصرِه ليسَ في وسعِه (٢).

وإطلاقُ المؤمنين للتعميمِ لمن آمَن من الثقلَين، وبذلكَ يَنجبرُ (٣) القصورُ السابقُ إلى الوهمِ من تخصيص الإنذارِ بأحدهما لأصالَتهِ في أمرِ البعثةِ؛ لأن المفهومَ إنما يُعتَبرُ إذا لم يعارِضهُ المنطوقُ، وهذا الشرطُ مفقودٌ هاهنا؛ لأن العبارةَ وإن كانت ساكتةً عن العمومِ لكن الدلالةَ ناطقةٌ بهِ بقرينَةِ ما في قرينهِ من التعميمِ، وإنما قدَّمَ الإنذارَ على التبشيرِ لأنَّه أهمّ، ولأن التحليةَ بعد التخليةِ أتمّ.

﴿أَنَّ لَهُمْ﴾ في محلِّ النصبِ بـ (بشِّر) على حذف الباءِ.

﴿قَدَمَ صِدْقٍ﴾ سمِّيتِ السابقةُ والمسعاةُ الجميلةُ قدمًا لأنَّ السعيَ والسبق إنما يكونُ بالقدَمِ؛ كما سمِّيَتِ النعمةُ يدًا لأنها تُعطَى باليد، وإضافتُها إلى الصدقِ للدلالة على زيادة فضلٍ، وأنها متحقِّقةٌ، لو أنَّ صاحبَها قد نالها بصدقِ القول والنية.


(١) قائل هذا هو البيضاوي، وزاد: (وخصَّص البشارة بالمؤمنين إذ ليس للكفار ما يصح أن يبشروا به حقيقة). انظر: "تفسير البيضاوي" (٣/ ١٠٤). وقوله: (عمم الإنذار .. الخ)؛ أي: حيث قال: ﴿النَّاسَ﴾ دون: المؤمنين والكافرين. انظر: "حاشية الشهاب على البيضاوي" (٤/ ٥).
(٢) وتعقبه الشهاب بقوله: (ولا مانع من الاستغراق العرفي؛ أي: كل أحد ممن يقدر على تبليغه؛ إذ تبليغ جميع أهل عصره غير ممكن له، وإليه يشير قول المصنف : إذ قلما من أحد .. الخ، فلا وجه للاعتراض بأنَ الاستغراق المفهوم من كلامه غير صحيح لأنّ تبليغ الإنذار إلى كل من في عصره … ). انظر: "حاشية الشهاب على البيضاوي" (٤/ ٥).
(٣) في (م) و (ف): "ينحصر".