للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بمنزلةِ ما إذا أعرَضَ المتكلِّمُ عن المخاطبِ، وحكَى لغيرِه سوءَ صنيعِه وقلةَ حيائهِ، كأنهُ يذكِّرُ بغيرِهم حالَهم ليُقبِّحَهم منها، ويستدعي منهم الإنكارَ والتقبيحَ.

ولك أن تقولَ في وجهِ الالتفاتِ: إن قولَهُ: ﴿هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْر﴾ خطابٌ فيهِ امتنانٌ، وإظهارُ نعمةٍ للمخاطَبين، والسائرونَ في البر والبحر مؤمنون وكفارٌ، والخطابُ شاملٌ؛ فحسُنَ خطابهم بذلكَ ليستديمَ الصالحُ الشكرَ، ولعل الطالحَ يتذكَّرُ هذه النعمةَ فيرجِعَ، فلما ذكرَتْ حالَهُ اَلَ الأمرُ في آخرِها إلى أن الملتبِسَ بها هو باغٍ (١) في الأرضِ بغيرِ الحقِّ عدَلَ عن الخطابِ إلى الغيبةِ، حتى لا يكونَ المؤمنون يخاطَبون بصدورِ مثل هذه الحالةِ.

﴿بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾ ليِّنةِ الهبوبِ ﴿وَفَرِحُوا بِهَا﴾ بتلكَ الريحِ.

﴿جَاءَتْهَا﴾ جوابُ: ﴿إِذَا﴾ والضميرُ للريحِ الطيبةِ بمعنى: تلقَّتْها ﴿بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ﴾: ذاتُ عصفٍ، شديدةُ الهبوبِ.

وجوِّزَ أن يكونَ الضميرُ للفلكِ، ولا يلائمه قولُه: ﴿وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ﴾ لِمَا فيهِ من تخصيصِ مجيء الريحِ بالسفينة، ومجيءِ الموجِ بمن فيها بلا نكتةٍ تقتضِيها، بل معنى مجيء الموجِ من جهاتٍ متقابلةٍ يستدعي أن يكون الضميرُ للريح الطيبةِ حتى يفيدَ معنى التقابلِ والتدافعِ بين الريحين فتحصلَ المبالغةُ في اللجاجِ (٢) البحرِ واضطرابِ أمواجِها المقصودةِ من قولِه:

﴿مِنْ كُلِّ مَكَانٍ﴾ فإنَّ عبارةَ ﴿كُلِّ﴾ في مثل هذا المقامِ للمبالغةِ والتفخيمِ، لا للإحاطة والتعميمِ، ومن غفلَ عنه قيَّدَ المكانَ بقوله: يجيءُ الموجُ منهُ.


(١) في (ف): "ساع".
(٢) في (ف): "عجاج".