﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْظُرُ إِلَيْكَ﴾ ويعايِنُ دلائلَ صدقِكَ ونبوَّتِك، ولكن لا يصدِّقُ.
﴿أَفَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ﴾: أ أنت بعدَ إظهارِ المعجزاتِ ودلائل النبوَّةِ تقدِرُ على هدايتِهم ﴿وَلَوْ كَانُوا لَا يُبْصِرُونَ﴾: ولو انضمَّ على عماهُم عدَمُ بصيرَتِهم.
﴿أَفَأَنْتَ﴾ إنكارُ أن يكونَ هو الذي يقدِرُ على إسماعِ الأصمِّ الذي لا يعقِلُ، وهدايةِ الأعمى الذي لا بصيرةَ لهُ.
وفيهِ تنبيهٌ على أن حقيقَةَ الاستماعِ هو فهمُ المعنى، وحقيقةَ الإبصارِ هو الاستبصارُ والاعتبارُ، وهما إنما يكونانِ بالعقلِ والبصيرةِ، لا بالحاسَّتين، ولذلك لا يُوصَفُ بالأولِ البهائمُ، ويحدُسُ الأعمى المستبصِرُ، ويتفطَّنُ بما لا يدرِكُه البصيرُ الأحمَقُ، وأنَّه لا يقدِرُ على موهبةِ العقلِ والبصيرَةِ والتوفيقِ للفهمِ والاستبصارِ إلا اللهُ تعالى وحدَهُ، فإذا لم يهَبْ ولم يوفِّقْ فمحالٌ أن يقدرَ على ذلك.
وفي تشبيهِهم بالصمِّ والعمي: أن فائدةَ السمعِ والبصرِ الفهمُ والاستبصارُ، فإذا لم يحصُلا فكأنَّهما لم يكونا.
وفي ضمِّ سلبِ العقلِ والبصيرةِ إلى الصمم والعمَى أنهم على اليأسِ من أن يفهَمُوا أو يستبصِروا.
وأما سلبُ العقلِ في (١) الأولِ، وسلبُ البصرِ في الثاني؛ فلأنَّ بالبصرِ بدونِ العقلِ يوصِلُ إلى اهتداءِ الطرُقِ والسلوكِ فيها، ألا ترى أن البهائمَ تبصِرُ الطرقَ وتسلُكُ فيها، وتتَّقي بها المهالِكَ ولا عقلَ لها؛ بخلاف السمعِ فإنهُ لا يُنتفَعُ بها بدونِ