للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

و (الدِّين): الجزاءُ، خيراً كان المَجزيُّ به أو شراً؛ كما يقال: "كما تَدينُ تُدان" (١).

وإنَّما خصَّ إضافةَ (مَلِك) إليه لأنَّ الأملاك يومئذٍ زائلةٌ، قال الله تعالى: ﴿وَالْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ﴾ [الانفطار: ١٩]، فكأنَّه يقول: خلقتكَ أولاً فأنا إلهٌ، ثمَّ ربَّيتكَ بوجوه النِّعمة فأنا ربٌّ، ثمَّ عصيتَ فسترتُ عليكَ فأنا رحمن، ثم تُبتَ فغفرتُ لكَ فأنا رحيمٌ، ثمَّ لا بدَّ من إيصال الجزاءِ إليك فأنا مالكُ يوم الدِّينِ.

﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ لأنَّك مالكٌ ﴿وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ لأنَّ ما سِواك هالكٌ.

(إيَّا) ضميرٌ منفصل منصوب، وكافُه للخِطاب مثل كافِ (ذلكَ)، وهو: (أي يا) وهما حرفا التنبيه والنداء، فأُدغم الياء وكُسرت الألفُ لجِوار الياء.

والعبوديَّة: التذلُّلُ، والعبادة أبلغُ منها؛ لأنَّها غايةُ التَّذللِ، ولهذا اختَصَّتْ بالربِّ.

عدَلَ عن الغَيْبة إلى الخِطاب وهو صنعةُ (٢) الالتفاتِ، وقد اقتضاهُ المقام، وذلكَ من أوَّل السورة إلى هناك ثناءٌ، والثناءُ في الغَيبة أَولى، ومن هاهنا إلى آخره دعاءٌ، والدُّعاء في الحضور أَوْلى.

والمعنى: نخصُّكَ يا مَن لا تسوغُ العِبادةُ إلَّا لهُ؛ لاتِّصافه بما ذُكر من إضافة النِّعم الدُنيويَّة والأُخرويَّةِ، ولا تجوزُ الاستعانةُ إلَّا به؛ لكمال قُدرته، وإحاطةِ ملكوته بكلِّ شيءٍ، بغاية التَّذللِ في طلب المعونةِ، لا نعبدُ غيرك ولا نستعين بِسواكَ، قُدِّم الضميرُ


(١) رواه عبد الرزاق في "المصنف" (٢٠٢٦٢) من طريق أبي قلابة عن النبي مرسلًا. ومن طريق عبد الرزاق رواه الإمام أحمد في "الزهد" (ص: ١٤٢) لكن عن أبي قلابة عن أبي الدرداء قوله. وله شاهد موصول من حديث ابن عمر رواه ابن عدي في ترجمة محمد بن عبد الملك وضعفه. انظر: "تخريج أحاديث الكشاف" لابن حجر (ص: ٣).
(٢) في "ح" و"ك": (صفة).