وفي الآيةِ دليل على وجوب اتباعِ النصوصِ من غيرِ تصرُّفٍ وانحرافٍ بمجرَّدِ الرأي، وأما التصرُّفُ بمقتضى الاجتهادِ فيما يُحتاج إليهِ فليسَ بمنهيٍّ عنهُ، بل مأمورٌ به على ما وردَ به النصوصُ، والتصرُّفُ بالقياسِ والاستحسانِ من المجتهدينَ من هذا القبيلِ.
﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ الركونُ: الميل اليسيرُ؛ أي: ولا تميلوا ميلًا مّا إلى مَن وجِدَ منه ظلمٌ، ولم يقل: إلى الظالمينَ للمبالغةِ في النهيِ، كأنه قيلَ: لا يوجد منكُم أدنى ميلةٍ إلى مَن صدرَ منهُ وقتًا مّا ظلم مّا فضلًا عن الميلِ الكثيرِ إلى الذين عادتُهم الظلمُ، فكيفَ بالظلمِ؟
ويتناوَلُ مصاحبَتهم، ومداهنتَهم في أعمالِهم، والانحطاطَ إلى هواهُم، والتزيِّيَ بزيِّهم، ومدَّ العين إلى زمرتِهم، وتعظيمَهم (١)، وإنما قالَ: ﴿إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا﴾ دون: إلى الذي ظلَمَ؛ لأن كونَهم جماعةً مظِنَّةُ الرخصةِ في مداهَنتِهم، فالنهيُ عن ركونِهم أبلَغُ، والآيةُ أبلغُ ما يتصوَّرُ في النهي عن الظلم والتهديدِ عليهِ.
﴿فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ﴾ بالركونِ إليهم، وخطابُ الرسولِ ﷺ للتثبيتِ على الاستقامةِ التي هي العدلُ، وإيعادُهم بالنار مع سلبِ الولاية والنصرة عنهُم عند أدنى انحرافٍ منهم عن جادَّةِ العدلِ إلى مَن وجِدَ منهُ ضدُّهُ، مع كونِه ﵇ أحبَّ الخلائق