للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿يَدْعُوكُمْ﴾ إلى الإيمان ببعثه إيَّانا ليغفر لكم، وفيه دلالة على أن الكافر مُؤَاخَذٌ بكفره قبل البعثة - وإن لم يكن مؤاخَذًا بغيره - لكفاية العقل الصحيح.

﴿لِيَغْفِرَ لَكُمْ﴾ لمصلحتكم لا لمصلحة نفسه.

﴿مِنْ ذُنُوبِكُمْ﴾: بعض ذنوبكم، وهو الكفر؛ لِمَا عرفْتَ أنهم لا يؤخذون قبل البعثة، ففي قوله: ﴿يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُمْ﴾ توطئةٌ لهذا التَّبعيض على تقدير تقريرنا معناه، وعلى تقدير أن يكون المعنى: يدعوكم إلى المغفرة، على إقامة المفعول له مقام المفعول به، كما في قولك: دعوتك لتنصرني= تفوت هذه التَّوطئة وتلك الدلالة.

وقيل في وجه التَّبعيض: إن المغفور قطعًا ما فعلوه حالة الكفر، وأما ما يفعلونه بعد الإسلام فهو بحاله.

ومأخذ هذين الوجهين يُظهِر السِّرَّ في زيادة (من) في خطاب الكفرة دون المؤمنين في مواضع من القرآن.

وفي الأخير فائدة أخرى، وهو إبقاء البعض على الاحتمال؛ لئلا يتَّكلوا (١) على الإيمان وحده، وهذا معنًى حسن.

وأما ما قيل: إنه أريد به أنه (٢) يغفر لهم ما بينهم وبين الله تعالى - لأنَّ الإسلام يجبُّه - دون المظالم، فلا يصلح وجهاً للتَّخصيص؛ لاشتراك الفريقين فيه.

والتَّوجيه بأنَّ المغفرة حيث جاءت في خطاب الكفار مرتَّبة على الإيمان،


(١) في النسخ: "يتكلموا"، والصواب المثبت. انظر: "حاشية الشهاب" (٥/ ٢٥٦)، و"روح المعاني" (١٣/ ٢٣٨). والكلام من "الكشف" كما صرحا بذلك.
(٢) "أريد به أنه" من (م).