للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

واعلمْ أنَّ النبيَّ بُعث بدعوة (١) الكفَّارِ إلى الإيمان، وورد في ذلك نصوصٌ، وأنَّهم أُخبِروا في بعض النُّصوصِ بأنَّ العبادةَ لا صحةَ لها بدونه، وبعدَ هذا أمَرَهُم بالعبادة في هذا النصِّ وغيرِه، وإنْ وردَ مطلقًا عن قيْد الإيمانِ لفظًا، لكنَّه مقيَّدٌ به معنىً بحكم النَّصِّ المخبِر عن اشتراط صحةِ العباداتِ بالإيمان، وليس في ذلك أمرٌ بالإيمان في ضِمن الأمر بالعبادة حتى يلزمَ إيجابُ الأصلِ تبَعًا لإيجاب الفرعِ فيُنافيَ حكمَ الأصالةِ.

﴿رَبَّكُمُ﴾ عبارةُ الربِّ صادَفَ (٢) مَحزَّها؛ إذ هو السيِّد والمُصلِح، ومَن كان مالكًا أو مُصلِحًا أحوالَ العبدِ فجديرٌ أن يُعبدَ ولا يُشركَ به.

ولمَّا أَمر بعبادته - وهي موقوفةٌ على معرفة وجودِه - ناسَب أنْ يَذكرَ من الأوصاف ما يتضمَّنُ الدَّليل على وجوده واستحقاقِه العبادةَ، فقال:

﴿الَّذِي خَلَقَكُمْ﴾ فالتوصيفُ المذكور للتَّعليل كما هو الأصلُ في ترتيب الأمر بالشيء على الموصوف والموصول، وفي التَّعليل المذكورِ باعتبار تضمُّنه الإشارةَ إلى أنَّ ما لا قدرةَ له على الخَلْق والإيجاد لا استحقاقَ له للعبادة تعريضٌ للمشركين حيث عَبدوا ما لا قدرةَ له على شيء.

وما قيل: على تقديرِ أنْ يكون الخطاب للمشركين يكونُ الوصف المذكور للتَّخصيص، وهمٌ منشؤه عدمُ فهم معنى (ربكم)، فإنَّ المعنى المتبادِرَ منه: الرَّبُّ المشترَكُ فيما بينَهم، وليس ذلك إلا اللهُ تعالى؛ لأنهم ما اتَّفقوا على واحدٍ من معبوداتهم الباطلةِ، فإذًا لا شركةَ في معنى (ربكم)، فلا حاجةَ إلى مخصّصٍ.


(١) في "ح" و، "ف": (لدعوة).
(٢) في "ح" و"ك" و"م": (صادق).