للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

عشرة إلى ثلاثين (١). والمراد: الإدراك إلى قوَّة الرَّأي لا إلى الحُلُم.

﴿وَيَسْتَخْرِجَا كَنْزَهُمَا﴾ يعني: أراد الله تعالى بقاءَ ذلك المال مدفونًا محفوظًا عن أيدي التغلُّب إلى زمان بلوغهما مبلغَ الرِّجال الكاملينَ في الرَّأي، القادرين على استخراج الكنز سالمًا عن تعدِّي الغير، فإنَّ الصِّبيان والرِّجال العاجزين عن التَّدبير لا يقدرون على ذلك.

أسند الإرادة أوَّلًا إلى نفسه وإلى الله تعالى؛ لأنَّ التبديل بمباشرته إهلاكَ الغلام، وخلقِ اللهِ تعالى البدل، وثالثًا إلى الله تعالى وحده لأنَّه لاْ مدخل له أصلًا في بلوغ الغلامين أشدَّهما، ولأنَّ الأوَّل شرٌّ، والثَّالث خيرٌ، والثَّاني ممتزجٌ.

ولك أن تقول: في إضافة الفعل إلى نفسه على صيغة الانفراد نوعُ قصور في مراعاة أدب الكلام، فلا يُلتزم (٢) إلا لعلَّة، وهي موجودة في الأوَّل ومفقودةٌ في الثَّاني، ولا مجال للإضافة إلى نفسه في الثَّالث، وتلك العلَّة صونُ جناب العزَّة أن يُعزَى إليه ما هو شرٌّ ظاهر.

﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ﴾: نعمةً منه، وهي المالُ الحاصل بالسُّهولة، الواصلُ إلى صاحبه بلا كُلْفةِ الكسب.

وانتصابه على الحال، وقيل: مفعولٌ على أنَّ الرَّحمة بمعناها الشائع، أو مصدرٌ منصوب بـ ﴿فَأَرَادَ رَبُّكَ﴾ لأنَّه بمعنى: رحمهما، وأما تعلُّقه بمحذوف تقديره: فعلتُ ما فعلتُ رحمةً من ربِّك، فلا يلائمه قوله:

﴿وَمَا فَعَلْتُهُ﴾، أي: ما فعلْتُ ما رأيتَه ﴿عَنْ أَمْرِي﴾: عن رأي، إنَّما فعلتُه بأمر الله تعالى.


(١) انظر: "الصحاح" (مادة: شدد).
(٢) في (ك): "يلزم ".