للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وما قيل: خيَّر الله تعالى بين القتل والأسر، وسمَّاه: إحسانًا في مقابلةِ القتل - يأباه قوله: ﴿أَمَّا مَنْ ظَلَمَ﴾؛ لأنَّه دلَّ على أنَّه آثر الدَّعوة، وقد كان في التخيير (١) بلفظ: ﴿وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾ (٢)، وإضمارِ متعلَّق التَّعذيب مع إظهار متعلَّق الحسنى، إيماءٌ إلى ترجيح الشِّقِّ الثَّاني، فنبَّه له (٣) وآثر ما يحقُّ الإيثار.

* * *

(٨٧) - ﴿قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا﴾.

﴿قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ﴾: أمَّا مَن دعوتُه فظلمَ نفسه بعدم قَبول الدَّعوة والاستمرار على الكفر.

﴿فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ﴾ أتى بحرف التسويف إشعارًا بما يتخلل بين اختيارهم عدم قَبول الدَّعوة وتعذيبِهم بالقتل من الإمهال بتكرار الدَّعوة إظهارًا لإصرارهم على الكفر.

وبنون العظمة في ﴿نُعَذِّبُهُ﴾ على عادة الملوك في قولهم: نحن فعلنا.

﴿ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ﴾ كان خطابه لأتباعه، فإنَّه تعالى لَمَّا خَيَّرَه بينَ الأمرَيْنِ المذكورَيْنِ أعلم بذلك أتباعه.

[وقيل: فيه إشعار بأنَ التَّخْييرَ لذي القرنين ليس مِن اللهِ تعالى، إذ لو كان كذلك لكانَ التَّركيبُ] ثم يُرَدُّ إليك [فتعذبه] (٤).

﴿فَيُعَذِّبُهُ﴾ في الآخرة ﴿عَذَابًا نُكْرًا﴾: عذابًا منكرًا لم يُعهد مثلُه.


(١) في (ك) و (م): "التنجيز".
(٢) في النسخ: "إما أن تتخذ فيهم حسنى".
(٣) في (ف): "فسر له "، وفي (ك): "فسهله".
(٤) ما بين معكوفتين مستفاد من "البحر" (١٤/ ٣٥٩)، ولا يستقيم السياق إلا بمثله.