للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وما ذكره القفَّالُ: ليس المراد أنَّه انتهى إلى الشَّمس غربًا وشرقًا حتى وصل جِرمها؛ لأنَّها تدور مع السَّماء حولَ الأرض من غير أن تلتصق بالأرض، وهي أعظم من أن تدخل في عينٍ من عيونها، بل هي أكبر منها أضعافًا مضاعفة (١) = مبناه على أصولٍ فلسفيَّةٍ لا تعويل عليها (٢).

ومنهم مَن تعمَّق وقال: لعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك، إذ لم يكن في مطمحِ بصره غير الماء، ولذلك قال: ﴿وَجَدَهَا تَغْرُبُ﴾، ولم يقل: كانت تغرب.

ويرِدُ عليه أن الوجدان يدل على الوجود، ولو كان المعنى على ما ذكر لقيل: رآها تغرب، ثم إن في إطلاق العين على البحر المحيط ما لا يخفى على ذي بصيرة.

﴿وَوَجَدَ عِنْدَهَا﴾ عند تلك العين ﴿قَوْمًا﴾ كانوا كفَّارًا، فخيَّره فيهم بين الأمرين.

﴿قُلْنَا يَاذَا الْقَرْنَيْنِ﴾ مَن قال: إنَّه كان نبيًّا تمسَّك بهذا الخطاب، ومَن أنكره قال: كان الخطاب على لسانِ نبيٍّ في عهده، واحتمالُ الإلهام لا يجدي؛ لأنَّ الدَّعوة إلى الحقِّ لا تكون إلَّا من نبيٍّ أو نائبه.

﴿إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ﴾ بالقتل على الكفر ﴿وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ﴾ لم يقل: لهم، دلالةً على الثُّبوت والاستقرار.

﴿حُسْنًا﴾، أي: ذا الحسنَى فيهم، دعوتهم إلى الله تعالى وتوحيده.


(١) انظر: "تفسير القرطبي" (١٣/ ٣٧٠).
(٢) بل ما قاله القفال هو الأقرب إلى الصواب عدا ما ذكره من كون الشمس تدور حول الأرض، وتتمة كلامه كما في المصدر السابق: (بل المرادُ أنَّه انتهَى إلى آخِرِ العِمَارةِ مِن جهة المغربِ ومن جهةِ المشرِقِ، فوجدها في رأْيِ العين تَغْرُبُ في عينٍ حَمِئَةٍ، كما أنَّا نشاهدُها في الأرضِ الملساءِ كأَنَّها تدخلُ في الأرضِ … ).