للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولا بدَّ في التشبيه الثاني من اعتبار معنى السرعة في وجه الشَّبَه، إذ به يُعلم كون الشيب في وقته، فتتمُّ الكناية عن المعنى المراد وهو الدخول (١) في سنِّ الشيخوخة، فإن الشيب قد يأخذ من الرأس كلَّ مأخذٍ قبل ذلك إلا أنه يكون على تدريجٍ ومهلٍ.

ثم أخرج الأول مخرج الاستعارة المَكْنيَّة، والثاني مخرج الاستعارة التصريحيَّة، وأصل الكلام: اشتعل الشيبُ في الرأس، لا: اشتعل مشيبُ الشعر في الرأس؛ لأن الشيب: مخالطة الشعر الأبيض بالأسود، فترك تلك المرتبة إلى ما هو أبلغ منها من جهات:

أولها: إسناد الاشتعال إلى الرأس؛ لإفادة شمول الاشتعال.

وثانيها: الإجمال والتفصيل في طريق التمييز.

وثالثها: تنكير ﴿شَيْبًا﴾ لإفادة التعظيم.

واكتفى باللام عن الإضافة لا اعتمادًا على علم المخاطب، وإلَّا لما ذكر ﴿مِنِّي﴾ فيما سبق، بل اعتمادًا على أن المتبادِر من العطف على المقيَّد اعتبارُ القيد فيه.

﴿وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾ أي: كنتُ مستجابَ الدعوة قبل اليوم سعيدًا غيرَ شقيٍّ فيه، يقال: سَعِدَ فلانٌ لحاجته، إذا ظفر بها، و: شَقِيَ، إذا خاب ولم ينلها، يعني: أنه تعالى عوَّده بالإجابة وأطمعه فيها، ومن حقِّ الكريم أن لا يخيب مَن أَطْمَعه (٢).


(١) في (ف) و (ك) و (م): " الوصول"، والمثبت من (س).
(٢) في هامش (س) و (ف) و (م): "عبارة التنبيه الواقع في كلام القاضي لم تصب محزها. منه ". وعبارة=