للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٤) - ﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا﴾.

﴿قَالَ رَبِّ إِنِّي﴾ استئناف لتفسير النداء ﴿وَهَنَ الْعَظْمُ﴾ الوَهن: الضعْف، وقُرئ بالحركات الثلاث (١)، وتخصيص العَظْم؛ لأنَّه دعامة البَدَن وأصلُ بنائه؛ فتطرُّق الضعف إليه موجبٌ لتطرُّقه إلى كل البدن، ولأنه أصلبُ ما فيه، فإذا وهنَ كان ما وراءَه أوهنَ، وتوحيدُه لأن المراد الجنس، ولو جمع لكان قصدًا إلى معنًى آخر، وهو أنه لم يَهِن منه (٢) بعضُ عظامه ولكن كلُّها، وذلك ليس مقصودًا بحسب المساق، وما زاد على المقصود يُعدُّ لُكْنةً (٣) وفضولًا.

ولما اقتضى المقامُ تعريف الحقيقة في العَظْم دون الرأس احتيج إلى زيادة قوله: ﴿مِنِّي﴾ هنا دون قوله: ﴿وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا﴾؛ أي: استولى الضعفُ على الظاهر والباطن، وذكر هذا يزيد الدعاء توكيدًا؛ لِمَا فيه من الاتِّكال على حول الله تعالى (٤) وقوَّته، والتبرِّي عن الأسباب الظاهرة، شَبَّه الشيبَ بشُواظ النار، لا في بياضه وإنارته فقط، بل فيهما وفي أن النار كما تشتعل في الجسم وتسري فيه حتى تُحيله إلى غير حاله المقدَّم، كذلك الشيب يأخذ في الرأس ويسري شيئًا فشيئًا حتى يُحيله إلى غيرِ لونِه الأول، وشبَّه انتشاره في الشعر وفشوَّه فيه وأَخْذَه منه كلَّ مأخذٍ باشتعال النار في سرعة التهابه وتعذُّر تلافيه.


(١) قرأ الجمهور بفتح الهاء، والأعمش بكسرها، وفرئ بالضم، انظر: " البحر المحيط" (١٤/ ٣٩١).
(٢) في (ك): "فيه ".
(٣) في (ك) و (ف): "نكتة"، بدل قوله: "يعدّ لكنة".
(٤) في (ف) و (م): "حوله تعالى".