للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولمَّا كانوا اتخذوا أندادًا جاء النهيُ عن جَعْلِ الأنداد للهِ تعالى على حَسَب الواقع، وإلا فحقُّ النَّهي أن يتعلَّق بجَعْلِ ندٍّ له تعالى.

وهذه الجملة متعلِّقة بـ (الذي) على ما جعلناه خبرَ مبتدأ محذوف؛ أي: هو الذي منَّ عليكم بأنواع النِّعَم العِظام: مِن خَلْقِ السماء سقفًا مرفوعًا، وجَعْلِ الأرض فراشًا موضوعًا، وإخراجِ النبات بالمطر رزقًا مجموعًا، فلا تجعلوا لله أندادًا.

وإنَّما عدل إلى الظاهر نعيًا عليهم بأنَّ جَعْلَهم له أندادًا جَعْلُ الأنداد لذات موصوفةٍ بصفةٍ لا شريكَ له فيه، فأنَّى الشركاء؟

ويجوز أن يكون متعلِّقا بقوله: ﴿اعْبُدُوا رَبَّكُمُ﴾ [البقرة: ٢١] والفاء للسبب، أي: تَسبَّبَ عن إيجاد هذه الآيات الباهرةِ النهيُ عن اتخاذكم الأندادَ، ولولا هذا الاعتبارُ لكان الأنسبَ عطفُه بالواو كما في قوله تعالى: ﴿وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُواْ﴾ [النساء: ٣٦].

ويجوزُ أن يكون نفيًا منصوبًا بإضمارِ (أنْ) على جواب الأمر كما في: زُرْني فأُكرمَكَ.

لا يقال: شرط انتصاب المضارع بإضمار (أنْ) في جواب الأمر - وهو كونُ الأول سببًا للثاني -مُنْتفٍ هاهنا. لأنَّه يجوز أنْ يُكتفَى بسببيةِ الأول للإخبار بمضمون الثاني؛ كما اكتُفي بسببية الشرط للإخبار بمضمون الجزاء في قوله تعالى: ﴿وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ﴾ [النحل: ٥٣] (١).

﴿وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ أي: والحالُ أنتم من أهل العلم، على أنَّ (تعلمون) من الأفعال المنزَّلة مَنزلةَ اللازم فلا يقدَّرُ له مفعولٌ، ويجوزُ أن يقدَّر له المفعول على


(١) في هامش "د": (رد للشريف).