للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حالهم، وتنبيهًا على توغُّلهم في الارتياب، واستمرارِهم على ذلك، واستقرارِهم فيه، وتضمينًا للنَّعي عليهم حيث بلَغوا النهاية فيما لا يجوز لأُولي الألباب الوقوعُ في بدايته، وهل هذا إلا (١) غايةُ الغباوة والغواية؟

وأتى بكلمة الشك مع تحقُّق الريب على خلافِ الظاهر؛ تكميلًا للنَّعْي عليهم بتنزيلِ حالهم المحقَّقِ منزلةَ المقدَّر؛ للتنبيه على أنَّ مثلَ ذلك الحالِ حقيق بأنْ يُعدَّ من قَبيل ما يُفرض كما يُفرض المحالُ.

والتنكيرُ في (ريبٍ) للتحقير، وفيه تنبيهٌ على أنَّ وضوح دلائل الإعجاز في المنزَّل المذكور بلغ إلى حدٍّ لا ينبغي أن يُفرض فيه ريبٌ إلا على وجه القِلَّة.

و (مِن) تحتمِلُ (٢) ابتداءَ الغاية والسببيةَ، و (ما) موصولةٌ؛ أي: مِن الذي نزَّلنا، والعائدُ محذوفٌ؛ أي: نزَّلناه، وتضعيفُ (نزَّلنا) بمنزلةِ همزةِ النَّقل، ويؤيِّده قراءةُ: (أنزلنا) (٣)، ولا دلالة فيه على نزوله منجَّمًا في أوقاتٍ مختلفة؛ لأنَّ مَبناه على أن يكون التضعيفُ للتكثير، وذلك في المتعدِّي نحو: جرَّحتُ (٤) وقطَّعتُ، ولا يكون في اللازم إلا نادرًا نحو قولهم: مات المالُ وموَّت (٥)، إذا كثُر ذلك فيه، وحينئذ لا يجعله متعديًا كيلا يلزمَ الجمع بين


(١) في "ح" و"ف" و"ك": (إلا أنه)، وفي "د": (إلا آية)، والمثبت من "م".
(٢) في "م" زيادة: (أن تكون).
(٣) هي قراءة يزيد بن قطيب. انظر: "المحرر الوجيز" (١/ ١٠٦)، و"البحر المحيط" (١/ ٢٨٦).
(٤) في "ح" "ف" و"ك": (خرجت)، والمثبت من "د" و"م" وهو الصواب؛ لأن (خرج) قبل التضعيف لازم، والكلام في الأفعال التي تكون متعدية قبل التضعيف. انظر: "البحر المحيط" (١/ ٢٨٧)، و"روح" المعاني" (٢/ ٢٩).
(٥) في "د": (مات الإبل وموت الإنسان).