للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: متصل على تنزيل غير المحتمل منزلةَ المحتمل مبالغةً في نفي اللغو، يعني: مظنَّة سماع اللغو في حقِّهم، على تقدير أن يكون السلام لغوًا، وذلك محالٌ، والمعلَّق على المحال محالٌ، كقوله:

ولا عَيْبَ فيهم غير أنَّ سيوفَهم … بهنَّ فلولٌ من قِراعِ الكتائبِ (١)

﴿وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا﴾ لمَّا كان أعدلُ أحوال المطاعم وأبعدُها من الضرر هو الغَداءَ والعَشاءَ، عرَّفهم اعتدالَ أحوال أهل الجنة في مآكلهم، وضَرَبَ لهم البُكرة والعشيَّ مثلًا لذلك، وإلَّا فلا بُكرة ولا عشيَّ (٢) ثمَّة.

ويجوز أن يُراد معنى: ﴿أُكُلُهَا دَائِمٌ﴾ [الرعد: ٣٥]؛ أي: لهم ذلك غيرُ منقطع، وهذا كما يقول الرجل: أنا أُصبح وأُمسي في ذِكْرك، وبِرُّ فلانٍ يغدو إليَّ ويروح، أي: لا ينقطع.

* * *

(٦٣) - ﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَنْ كَانَ تَقِيًّا﴾.

﴿تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا﴾؛ أي: نجعلها ميراثَ أعمالهم، يعني: ثمراتها وعاقبتها، أو نُبقي الجنة على المتَّقي كما يبقى مال المورِّث (٣) على الوارث، على استعارة الإيراث في الإبقاء، فإن الوراثة أقوى سبب للتمليك والاستحقاق، فإنها من حيث إنها لا تُعقَب بفسخٍ ولا استرجاعٍ ولا تبطل بردِّ وإسقاط.


(١) البيت للنابغة الذبياني. انظر: ديوانه (ص: ١١)، ويستشهد به البلاغيون على تأكيد المدح بما يشبه الذم، انظر: "خزانة الأدب" (٣/ ٣٢٧)، و"روح المعاني" "١٦/ ١٢٨". وقد تقدم في مواضع من هذا الكتاب.
(٢) في (م): "عشية".
(٣) في (س): "الموروث".