للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بمثلِ كلِّ القرآن لقوله تعالى: ﴿فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ﴾ [الطور: ٣٤]، ثم أَخبر (١) عن عجزهم عن ذلك بقوله: ﴿قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ﴾ [الإسراء: ٨٨] ثم بعشرِ سورٍ مِثْلِه بقوله تعالى: ﴿فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ﴾ [هود: ١٣] ثم لمَّا ظهر عجزهم عنها أيضًا تحدَّاهم بسورةٍ بقوله تعالى: ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ﴾ وقد عجزوا عن ذلك كلِّه.

﴿مِنْ مِثْلِهِ﴾ في محلِّ الجر صفةً لـ (سورةٍ)؛ أي: بسورةٍ كائنةٍ مِن مِثله، والضميرُ لـ (ما نزَّلنا)، والمعنى: إنْ كنتم في شكٍّ مما أنعمْنا على عبدنا لحُسنِ استعداده (٢) في كمالِ العبودية بإنعام الوحي، ومن (٣) نعمة القرآن في أنَّه من عندنا، زاعِمِين أنَّ معارضته بإيرادِ المثلِ مقدورٌ للبشر - على ما أفصح عنه قوله تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا﴾ [الأنفال: ٣١]- ﴿فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ﴾؛ أي: مثلِ المقدور للبشر في زَعْمِكم، وقد أَفصح عن هذا المعنى في التحدِّي بعشرِ سورٍ، ولولا القصدُ إلى هذا لكان الظاهرَ أنْ يقال: فأتوا بمِثْلِ سورةٍ منه.

ورجوعُ الضميرِ للمنزَّل عليه لا يساعدُه المقامُ ولا الكلام:

أمَّا الأولُ: فكما عرفتَ فيما تقدَّم أنَّ المقام مقامُ توسيعِ دائرة التحدِّي، حيث تنزَّل من التحدِّي بكلِّ القرآن إلى التحدِّي بعشرِ سورٍ، ثم إلى التحدِّي بسورةٍ، فلا يناسبه التضييقُ باشتراطِ أنْ يكون الآتي به أميًّا في هذه الصورة دون الصور السابقة.


(١) في "ح" و"م": (أخبرهم).
(٢) في "ح" و"ف" و، "ك": (بحسن اعتقاده).
(٣) في النسخ عدا "م": (ومنه)، والمثبت من "م".