للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولعلَّ لذلك امتاز موسى باللِّحية من بين أهل الجنَّة، على ما ورد في حديث جابر ، وهو أنَّه قال: "أهل الجنة مُرْدٌ إلَّا موسى بن عمران، فإنَّ له لحيةً إلى سرَّته" (١).

ولَمَّا كانت تلك العقدة عارضةً لآفَة حادثةٍ كان المناسب لحالها التَّنكيرَ حيث لم تكن من جنس ما هو المعهود، وكأن قطع إضافتها عن (اللِّسان) المنبئةِ عن الاتِّصال الخَلْقي أيضًا كان لذلك.

وقيل: إنَّما نُكِّرَتْ لأنَّه لم يطلب الفصاحة الكاملة، وإنَّما طلب حلَّ بعضها إرادةَ أنْ يُفهَمَ عنه فهمًا جيِّدًا؛ لأنَّ أمرَ التَّبليغ لا يتيَّسر إلَّا بذلك، ولهذا علَّل بقوله:

(٢٨) - ﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾.

﴿يَفْقَهُوا قَوْلِي﴾ فإنَّ (٢) التَّبليغ إنَّما يَحسن من البليغ (٣).

و ﴿مِنْ لِسَانِي﴾ صفة للعقدة، كأنَّه قيل: عقدةً من عُقد لساني، أو صلةٌ لـ (احلل).

واختلف في زوال العقدة بكمالها؛ فقيل: بقي بعضها؛ لقوله: ﴿وَأَخِي هَارُونُ هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ [القصص: ٣٤]، وقيل: زالت؛ لقوله: ﴿قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ﴾ [طه: ٣٦].

وفي كلٍّ من الاحتجاجَيْنِ نظر:

أمَّا في الأوَّل: فلأنَّ شهادة قوله: ﴿هُوَ أَفْصَحُ مِنِّي لِسَانًا﴾ عليه لا له؛ لأنَّ فيه دلالة على أن موسى كان فصيحًا، غايته أن فصاحة أخيه كانت (٤) أكثر،


(١) رواه العقيلي في "الضعفاء" (٧٢١)، وابن عدي في "الكامل" (٤/ ٤٨)، وضعفاه.
(٢) في (ف) و (ك): "فإن أمر".
(٣) في (م): "التبليغ".
(٤) "كانت" من (م) و (س).