للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: تخاليط رؤيا، ثمَّ إلى أنَّه كلام افتراء، ثمَّ إلى أنَّه قولُ شاعرٍ، على عادة كلِّ مبطِلٍ في اللَّجلَجةِ والتَّزلزل في التحيُّر واللعثمة (١)، وذلك يدلُّ على فساد قولهم وبطلانه.

ولا يذهبْ عليك أنَّ حقَّ النَّظم حينئذ: (قالوا بل)، لا: ﴿بَلْ قَالُوا﴾.

وأمَّا ما قيل: يجوز أن يكون الكلُّ من اللهِ تعالى تنزيلاً لأقوالهم في دَرْج الفساد؛ لأنَّ كونه شعراً أبعدَ من كونه مفترًى؛ لأَنَّه مشحون بالحقائق، والحكم ليس فيه ما يناسب قول الشُّعراء، وهو من كونه أحلاماً (٢)؛ لأنَّه مشتملٌ على مغيَّبات طابقَتِ الواقع، والمفترَى لا يكون كذلك، بخلاف الأحلام، وهو [أبعد] من كونه سحراً لأنَّه يجانسه من حيث إنهما من الخوارق (٣) = فمبناه على أن يكون بين الشِّعر والحكمة بوناً بعيداً، وعلى أن يكون السِّحر كالمعجزة من خوارق العادات، ولا صحَّة لواحدٍ منها:

أمَّا الأوَّل: فظاهرٌ، وكأنَّ هذا القائل غافل عن قوله : "إنَّ مِنَ الشِّعرِ لحكمةٌ" (٤).

وأمَّا الثَّاني: فلأنَّ الحقَّ أنَّ السِّحر إمَّا تمويهٌ لا حقيقةَ له، أو ترتيبٌ لأسبابٍ خفيَّة، وعلى كِلَا التَّقديرين ليس فيه شيءٌ مِن خَرْقِ العادة.


(١) في (ف): "التحيز والقلسمة"، وفي (ك): "التحير والعثلمة"، وفي (م): "التحير والعلثمة"، وفي (س): "التحيز" والثانية غير واضحة. ولعل الصواب هو المثبت.
(٢) قوله: "وهو" الضمير فيه راجع لـ"كونه مفترى"، وقوله: "من كونه" متعلق بـ (أبعد) مقدراً. انظر: "حاشية الشهاب" (٦/ ٢٤٢). فالمعنى: وكونه مفترى أبعد من كونه أحلاماً.
(٣) انظر: "تفسير البيضاوي" (٤/ ٤٦)، وما بين معكوفتين منه.
(٤) رواه البخاري (٦١٤٥) من حديث أبي بن كعب .