للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قيل: في ذكر اسم ﴿الرَّحْمَنِ﴾ تنبيهٌ على أنْ لا كالئ غيرُ رحمته العامة، وأنَّ اندفاع البأس عن النَّاس لا يكون إلَّا بها.

وعندي أنَّ التَّنبيه فيه على أنَّ رحمته العامةَ لا تمنعه عن الغضب، فلا تغترُّوا بها، ولا يخفى أنَّ هذا هو الأنسب للمقام.

﴿بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ﴾ إضرابٌ عن مقدَّر؛ أي: إنهم غير معرضين عن ربهم، وليسوا بغافلين عنه، حتى لا يجدي السُّؤال عنه، كيف وهم يتَّخذون الآلهة ويعبدونها في كلِّ وقت للشَّفاعة عنده تعالى، بل معرضون عن ذكره، فالتذكير يناسب حالهم (١).

وهذا المعنى مع ظهوره من مَساق الكلام، ووضوح انطباقه لمقتضى المقام، قد خفي على النَّاظرين فيه حتى قالوا (٢): لا يُخْطرونه ببالهم، فضلاً أن يخافوا بأسه، حتى إذا كُلِئوا منه عرفوا مَنِ الكالئ، وصلحوا للسؤال عنه.

ولم يتنبَّهوا أنَّه حينئذ لا يبقى وجه للأمر بالسُّؤال، وأيضاً حينئذٍ تضيع عبارة الذِّكر، بل تخلُّ بالمقصود؛ لإيهامها الشُّعور في الجملة.

* * *

(٤٣) - ﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنَا لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾.

﴿أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ﴾ تحفظهم مانعين العذاب ﴿مِنْ دُونِنَا﴾ أضربَ عمَّا تقدَّم، منكراً لكلاءة آلهتهم ومنعهم من العذاب متجاوزاً منه تعالى، أو من عذاب


(١) في هامش (س) و (ف): "فإن الإعراض عن الشيء يكون كناية عن الغفلة والنسيان بخلاف الإعراض عن ذكره فإنه ينبئ عن حضوره في الذهن وشعوره. منه".
(٢) القائل هو الزمخشري وتابعه البيضاوي.