للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يكون من عنده، بما في ﴿أَمْ﴾ من معنى (بل) والهمزةِ، وهذا الإضراب ليس للإبطال ولا للتَّرقي بل للانتقال من كلام إلى آخر.

قيل: والإضرابان عن الأمر بالسُّؤال على التَّرتيب، فإنَّه عن المعرِض الغافل عن الشَّيء بعيد، وعن المعتقِد لنقيضه أبعد.

وقد عرفْتَ فساد مبناه، ثمَّ إنَّه لا ينتظِم مع ذلك الاعتبارِ ما في الإضراب الثاني من زيادة الإنكار، وبعد اللُّتيا والَّتي قوله (١): المعتقِد لنقيضه، فريةٌ ما فيها مريةٌ؛ لِمَا نبَّهت عليه آنفاً.

﴿لَا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَلَا هُمْ مِنَّا يُصْحَبُونَ﴾: يجارون، يُقال: صَحِبَكَ الله؛ أي: حفظك وأجارَك، استئناف بإبطال ما ذُكِرَ؛ فإنَّ مَن لا يقدر على نصر نفسه ولا يحفظه الله كيف ينصرُ غيرَه ويحفظه؟!

* * *

(٤٤) - ﴿بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ﴾.

﴿بَلْ مَتَّعْنَا هَؤُلَاءِ وَآبَاءَهُمْ حَتَّى طَالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ﴾ ثمَّ أضرب عن المتوهَّم المتبادِر من ظاهر حالهم بعدما أنكره ببيان أنَّ ما هم عليه من الحفظ والكلاءة إنَّما هو منَّا لا من مانعٍ يمنعهم من إهلاكنا، وإنَّما حفظناهم للاستدراج، وهو تمتيعه تعالى إيَّاهم وآباءهم بما قُدِّرَ لهم من الأعمار، حتى حسبوا بسبب طول (٢) مدَّة الإمهال أنَّهم لا يزالون كذلك، وأنَّه بسبب (٣) ما هم عليه.


(١) في (ك): "قول".
(٢) في (ك): "بطول" بدل "بسبب طول".
(٣) في (س) و (ك): "سبب".