للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم يترادَّان، فقال: القضاءُ ما قضيْتَ، وأمضى الحكم بذلك (١).

وكان ذلك باجتهاد منهما، وهذا كان في شريعتهم، وعدمُ انتقاض حكم الاجتهاد باجتهادٍ آخر في شريعتنا، فلا دلالة فيه على أنَّهما حَكَمَا بالوحي، أو كان حكم سليمان وحدَه بالوحي.

ولَمَّا كان المتبادِر إلى الوهم من تخصيص سليمان بتفهيم الحكومة أنْ لا يكون ما قضاه داود حكماً شرعيًّا دفعَه بقوله:

﴿وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ فالقول السَّابق دلَّ على أنَّ الأصوبَ كان حكمَ سليمان ، وهذا القولُ دلَّ على أنَّهما جميعاً على الصَّواب، ففيه دليل على أنَّ كلُّ مجتهِدٍ مصيبٌ.

﴿وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُودَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ﴾ حال بمعنى: مسبِّحاتٍ، أو استئنافٌ على تقدير سؤال سائل قال: كيف سخرهنَّ (٢)؟ فقال: يسبِّحنَ؛ أي: يقدِّسْنَ اللهَ تعالى. و ﴿مَعَ﴾ متعلِّقة به، أوبـ ﴿وَسَخَّرْنَا﴾، وتتمَّة الكلام تأتي في (سورة سبأ) بإذن الله تعالى.

﴿وَالطَّيْرَ﴾ عطف على ﴿الْجِبَالَ﴾، أو مفعول معه، وإنَّما قدَّم الجبال على الطَّير، وجعلَتْ أصلاً في التَّسبيح؛ لأنَّ تسخيرها وتسبيحها أدلُّ على القدرة، وأدخَلُ في الإعجاز، وأخرقُ للعادة؛ لأنَّها جماد. وقرئ بالرَّفع على الابتداء (٣).


(١) انظر: "الكشاف" (٣/ ١٢٨). رواه الطبري في "تفسيره" (١٦/ ٣٢٢ - ٣٢٨) عن ابن مسعود وابن عباس وغيرهما.
(٢) في (ك): "تسخرهن".
(٣) انظر: "تفسير البيضاوي" (٤/ ٥٧)، و"البحر المحيط" (١٥/ ٢٦١).