للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبذلك احتجَّ الشَّافعي فرأى السَّجدتَيْن فيها، وأبو حنيفة وأصحابه لا يرون فيها إلا سجدة واحدةً؛ لأنَّهم يقولون: قُرِنَ السُّجودُ بالرُّكوع، فدلَّ ذلك على أنها سجدةُ صلاة لا سجدةُ تلاوة (١).

* * *

(٧٨) - ﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ﴾.

﴿وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ﴾ في شأنِه ومن أجلِه، أمرٌ بالغزوِ، أو بمجاهدة النَّفس والهوى، وهو الجهاد الأكبر؛ لقوله عند رجوعه من غزوة تبوك: "رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر" (٢).

﴿حَقَّ جِهَادِهِ﴾ أصله: جهادًا حقًّا؛ أي: خالصًا لوجه الله، فأضيف الحقُّ إلى الجهاد للمبالغة، كقولك: هو حقُّ عالمٍ، ثم أضيف الجهاد إلى ضمير ﴿اللَّهِ﴾ إمِّا للملابسة لاختصاصه به من حيث إنَّه مفعول لأجله، أو للاتِّساع في الظُّروف.

﴿هُوَ اجْتَبَاكُمْ﴾: اختاركم لدينه ونصرته، وبناء الفعل على الضَّمير للاختصاص المفيد لوجوب الجهاد؛ أي: هو وحده اجتباكم دون غيره، والذي اجتباه الله بنفسه لا بُدَّ له من الجهاد الأكبر لقضاء حقِّ القرب والولاية، والأصغرِ


(١) في هامش (ف): "لا لأنَّه كما توهم لعدم الدلالة فيها على ما ظهر من تقدير ما ذكره أبو حنيفة. منه ".
(٢) رواه الخطيب البغدادي في "تاريخ بغداد" (١٣/ ٥٢٣)، والبيهقي في "الزهد" (٣٧٣) من حديث جابر بن عبد الله ، وقال: إسناده ضعيف.