للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ﴾ حالٌ، والعامل فيها ﴿هَذَا﴾، والجملة الأولى كنايةٌ عن غاية الأكل، ولا يَخفى ما فيها من تقبيح الحال الذي يقتضيه مساقُ الكلام، والثانية كنايةٌ عن الغرض من المشي في الأسواق، وهو طَلَب أسبابِ المعاش؛ أي: إن صحَّ أنَّه رسول المَلِك المتعال، فما بالُهُ يَفعل هذه الأفعالَ؟! يَعنون أنه كان يجب أن يكون مَلَكًا بريئًا عن لوازم البشريَّة.

ثم تنزَّلوا عن ذلك الاقتراح (١) إلى اقتراحِ أن يكون إنسانًا معه مَلَكٌ حتى يتسانَدا في الإنذار، بقولهم: ﴿لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا﴾.

* * *

(٨) - ﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُورًا﴾.

ثم تنزَّلوا إلى أن يكون مرفودًا بكنزٍ يُلقى إليه من السماء يَستظهِر به ولا يَحتاج إلى تحصيل المعاش فقالوا: ﴿أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنْزٌ﴾.

ثم تنزَّلوا فقالوا: ﴿أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْهَا﴾؛ أي: إن لم يُلقَ إليه كنزٌ فلا أقلَّ أن يكون له بستانٌ كما للدَّهَاقين والمياسير، فيعيشَ برَيْعه، وحسَّن عطفَ المضارع - وهو ﴿يُلْقَى﴾ و ﴿تَكُونُ﴾ - على ﴿أُنْزِلَ﴾ وهو ماضٍ دخولُ المضارع وهو ﴿فَيَكُونَ﴾ بينهما، وانتصب ﴿فَيَكُونَ﴾ لأنَّه جواب ﴿لَوْلَا﴾ بمعنى: هلَّا، وحكمُه حكم الاستفهام.

وأراد بالظالمين في قوله: ﴿وَقَالَ الظَّالِمُونَ﴾ إيَّاهم بأعيانهم، غيرَ أنَّه وضع موضعَ المضمَر تسجيلًا عليهم بالظلم.


(١) في (ع): "الاقتران" وكذا في الموضع الآتي.