يأتي على تناوُبٍ بين البقاع، فتسيل في بعض الأودية دون بعض، وكذا في الممثَّل له ليس كلُّ قلب قابلاً بل بعضٌ منها دون بعض، ﴿بِقَدَرِهَا: بمقدارها الذي علم الله تعالى أنه نافع غير ضارٍّ، أو: بمقدارها في الصِّغر والكبر).
بينما قال الزمخشري: فإن قلتَ: لم نكرت الأودية؟ قلتُ: لأن المطر لا يأتي إلا على طريق المناوبة بين البقاع، فيسيل بعض أودية الأرض دون بعض. فإن قلتَ: فما معنى قوله: ﴿بِقَدَرِهَا﴾؟ قلت: بمقدارها الذي عرف الله أنه نافع للممطور عليهم غير ضارّ، ألا ترى إلى قوله: ﴿وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ﴾ لأنَّه ضرب المطر مثلاً للحق، فوجب أن يكون مطراً خالصاً للنفع خالياً من المضرة، ولا يكون كبعض الأمطار والسيول الجواحف.
فغيَّر المؤلف في الأسلوب، واختصر، وزاد قولاً في آخر كلامه.
لكنه في المقابل لا يقبل كلَّ ما يقوله الزمخشريُّ والبيضاوي، بل يردُّ عليهما في كثير جدًّا من المواضع، وهذا ينقلنا إلى عرضِ طريقته في التعقُّبات والردود، والتي تعدُّ من أبرز السمات في منهج المؤلف كما سيرد في الأمثلة الكثيرة التي سنسوقها:
فمن ذلك ردُّه على كلٍّ من الزمخشري والبيضاوي وشرَّاحهما تأويلاتهم في آية: ﴿وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ﴾ [البقرة: ١٧٧]؛ فقال: (والمعنى والله أعلم: ولكنَّ البرَّ هذه العقائدُ الصحيحةُ والأعمالُ الصالحةُ، والوصفُ كما يُذكر في مَقام الموصوف بلا حذفٍ ولا