تجوُّزٍ بحسَب اللفظ كما في قولك: رجلٌ عَدْلٌ، فإن التجوُّز فيه في الإسناد دون المسنَد، كذلك يُذكر الموصوفُ في مَقام الوصف بلا حذفٍ ولا تجوُّزٍ بحسَب اللفظ كالذي نحن فيه تنزيلاً للموصوف مَنزلتَه … ).
ثم قال:(وفي المصير إلى التقدير في مثلِ هذا المقامِ تنزيلٌ للكلام عن مَنزلته الرَّفيعة، وتغييرٌ لصورته البديعةِ، على أنه إذا قيل: ولكنَّ البرَّ برُّ من اَمن .. إلخ، يُفهم منه عدمُ الاعتبارِ لبِرِّ مَن قصَّر في بعض تلك الأعمال، وإذا قيل: ولكنَّ ذا البرِّ مَن آمَن .. إلخ، يخرج الكلام عن سَنن الانتظام، وأيضاً لو قُصد هذا لكان المناسبُ أن يقال: ولكنَّ البَرَّ، بفتح الباء).
ففي هذا رد على الزمخشري في التقديرين المذكورين، وعلى مَن تابعه كالبيضاوي والنسفي وغيرهما، ولا ندري هل غفل هؤلاء الأئمة عن الوجه الذي نحاه المؤلف في تفسير الآية، أم عرفوه لكنهم ما اعتبروه؟
وعند تفسير قوله تعالى: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا﴾ [البقرة: ١٠٦] قال: (نزلت لمَّا قال المشركون أو اليهود: ألَا ترون إلى محمدٍ ﵇ يأمر أصحابه بأمرٍ، ثم ينهاهم عنه ويأمر بخلافه. ففي الآية دلالةٌ على جواز النسخ، بل على وقوعه.
قيل (والقائل البيضاوي): وذلك لأن الأحكام شُرعت والآياتِ نزلت لمصالح العباد وتكميلِ نفوسهم فضلاً من الله تعالى ورحمةً، وذلك يَختلِف باختلافِ الأعصار والأشخاص؛ كأسباب المعاش، فإنَّ النافع في عصرٍ قد يَضُرُّ في غيره).