للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ﴾؛ أي: مرًّا مثلَ مرِّ السَّحاب، والمعنى: أنَّكَ إذا رأيْتَ الجبالَ وقتَ النَّفخةِ ظنَنْتَها ثابتةً في مكانٍ واحدٍ [لعظمها] (١)، وهي تسيرُ سيرًا سريعًا كالسَّحاب إذا ضربَتْه الرِّيح، وهكذا الأجرامُ المتلاصقةُ المتكاثرةُ العددِ إذا تحرَّكَتْ لا تكاد تبينُ حركتها.

﴿صُنْعَ اللَّهِ﴾ مصدر عملَ فيه ما دلَّ عليه: ﴿تَمُرُّ﴾؛ لأنَّ مرورَها كمرِّ السَّحاب مِن صنعِ اللهِ، فكأنه قيل: صَنَعَ اللهِ ذلك، وذُكرَ اسمُ اللهِ لأنَّه لم يُذْكَر قبلُ.

﴿الَّذِي أَتْقَنَ﴾، أي: أحكمَ صُنْعَهُ، ولقد أصابَ عبارةُ (٢) الصُّنع والإتقان محزَّهما (٣)، وذلك أنَّ لقاءَ صورةِ الجبالِ بعدَما تخلخَلَتْ وصارَتْ كالعهن المنفوشِ دلَّ على كمالِ الإتقانِ مِن جهةِ الصُّنعِ، وهو تركيبُ الصُّور فيَ المادَّةِ.

وهذا الإتقان ينتظِمُ ﴿كُلَّ شَيْءٍ﴾ قويًّا كان تركيبُه أو ضعيفًا.

﴿إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ﴾ (٤) عالمٌ بظواهرِ الأفعالِ وبواطنها، فيكافئهم على حسب ذلك.

* * *


= ولفظ البيضاوي (٤/ ١٦٩): ثابتة في مكانها.
(١) من "تفسير النسفي" (٢/ ٦٢٣).
(٢) في (م) و (ي): "عبارتنا ".
(٣) في (ع) و (ي): "محزها".
(٤) هذه قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر من رواية هشام، وقرأ باقي السبعة: ﴿تَفْعَلُونَ﴾ بالتاء. انظر: "التيسير" (ص: ١٦٩).