للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

علي وسدَّد نَظَره إليه وقوَّم وجهَه مُقبِلًا عليه بكُلِّيَّته، والفاء للسببية؛ أي: إذا لم تَنجَع (١) هدايتُك فيه، فأَقِم وجهَك للدِّين واترُكْهم.

﴿حَنِيفًا﴾ حالٌ مِن ضمير (أقم) أو مِن (الدِّين).

﴿فِطْرَتَ اللَّهِ﴾ نصبٌ على الإغراء؛ أي: الزموا فطرةَ اللهِ، أو: عليكم فطرةَ اللهِ، والإضمارُ على خطاب الجماعة؛ لقوله: ﴿مُنِيبِينَ﴾ فإنَّه حالٌ مِن ضمير العامل المقدَّر، وقولِه: ﴿وَاتَّقُوهُ﴾ ﴿وَأَقِيمُوا﴾ ﴿وَلَا تَكُونُوا﴾ فإنَّه عطفٌ على المقدَّر.

وإضافةُ الفطرة إلى اللهِ وتوصيفُها بقوله: ﴿الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ للاختصاص والتعظيم، وأنَّه لا ينبغي أنْ تبدَّل وتغيَّر، ولا يَقدرُ أحدٌ أنْ يغيِّرها؛ حسمًا لأطماع المشركين، وحتمًا بأنَّ توحيدَه ذاتيٌّ لا يُمكن تغييرُه، وبيَّنه للتأكيد والتقرير بقوله:

﴿لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ﴾ ففيه دلالةٌ على أنَّ المرادَ مِن الفطرةِ الخِلْقةُ؛ وهي: الحالةُ التي جُبِلوا عليها مِن قَبولهم للتوحيد ودينِ الإسلام، وتمكُّنهم مِن إدراكه، بحيث لو خُلُّوا وما جُبِلوا عليه لَمَا اختاروا عليه (٢) دينًا آخَرَ، وشهدت عقولُهم الفطريَّة به، ومَن غوى منهم فبإغواء شياطينِ الإنس والجنِّ، وقد أَفصحَ عن هذا قولُه : "كلُّ عبادي خَلقتُ حنفاءَ، فاجتالتهم الشياطينُ عن دينِهم وأَمروهم أنْ يُشركوا بي غيري" (٣)، وقولُه : "كلُّ مولودٍ يُولَد على الفطرة حتى يكون أبواهُ هما اللَّذان يُهوِّدانه أو يُنصَّرانه" (٤).


(١) في (ف): "تبخع"، وفي (م): "بنجع".
(٢) "عليه" ليست في (ف).
(٣) قطعة من حديث رواه باختلاف يسير مسلم (٢٨٦٥) عن عياض بن حمار المجاشعي .
(٤) رواه البخاري (١٣٥٨)، ومسلم (٢٦٥٨)، من حديث أبي هريرة .